وإنَّ ابْنَ أُخْتِ القوم مُصْغَى إناؤه ... إذا لم يُزَاحِم خَالَه بأبٍ جَلْدِ
وحرصت كل الحرص أن يُقبل بعدَ موتِ أبيه على المُطالعة والاشتغال على بعض جماعةِ أبيه، كابن حسَّان وغيره، وكاد يوافق على ذلك، لكنَّه ما تمَّ.
وسمعت مَنْ يذكُر عَنْ شيخنا صاحبُ التَّرجمة أَنَّه كان يقول: قلَّ أن يجتمع الحظُّ لامرىءٍ في تسله وتصانيفه معًا. انتهى.
وقد حدَّث باليسير، وخرَّجت له "جزءًا"، وكتبَ على الاستدعاءات، وقابلَ معي بعضًا مِنْ تصانيف والده، وعُرِضَتْ عليه حِسبَةُ القاهرة ومصر، فما وافق، وكانت الخِيرَةُ في ذلك. وكذا التمس منه بذل شيء في عود وظيفة مشيخة الخانقاه، فتوقف إلا أن أُضيف النَّظرُ لها. ولم تكن همَّتُه منصرفة لشيءٍ مِنْ ذلك.
وقد حجَّ في حياة أبيه سنة ثلاث وثلاثين وثماني مائة، ثم بعده غير مرَّةٍ بتجمُّلٍ زائدٍ، ومصرفٍ كبير، وجاور، وأنشأ عدَّة أماكن في حياة أبيه وبعده، أنفد غالبها في النَّفقة مع ما تخلَّف مِنْ تركة والده عن آخره، بحيث يزيدُ ما صرفَه مِنْ بعد موته وإلى أن مات على ثلاثين ألف دينار، وكاد الحالُ أن يضيق، لكن جمَّل اللَّه تعالى ببركة والده.
وابتدأ به الوعك، وقاسى شدائد أقام فيها أزيدَ مِنْ مائة يوم، وتفتَّحت في أعصابه عدَّةُ أماكن، وتخلّى، وانتحل، وصار إلى هيئة أرجو أن يكفَّرَ عنه بسببها. كل ذلك وهو صابرٌ حامدٌ شاكر، إلى أن ماتَ مبطونًا شهيدًا يوم الأربعاء سادس عشر جمادى الثَّاني سنة تسع وستين وثماني مائة، ودُفِنَ