للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأشرف إلى آمد في سنة ست وثلاثين، وكانت ذات ولدَين بالِغَيْنِ، واستمرت معه إلى أن سافر مِنْ حلب، ففارقها، لكنَّه لم يُعلمها بالطَّلاق، وإنَّما أسَرَّه لبعضِ خواصِّه. والتمس منه أن لا يُعلمها بذلك إلَّا بعد مُضيِّ المدَّة التي كان عجَّل لها النَّفقة عنها عندَ سفره، حيث تحضُرُ للمطالبة بالنَّفقة المستقبلة، فيعلمها حينئذٍ بذلك.

ثم راسل (١) بعض أحبابه الحلبيين في تجهيزها له إن اختارت، ويعلمه بأن يعلمها بأنَّ الحامِل له على الطَّلاق الرِّفقُ بها لئلا تختلى الإقامة بوطنها، أو يحصل لها نصيبُها، فلا تتضرَّر بشبكته. وكان في الكتاب المذكور -كما قرأتُ بخطِّه- وصفُه لها بأنها نعمَ المرأةُ عقلًا وحُسْنَ خَلْقٍ وخُلُقٍ، ويأمُرُه بوعدها بكل جميل، وأنها إن قدِمَتْ لا يكونُ عنده أعزُّ منها، وينزلها أحسنَ المنازل، ويعوِّضها عن كلِّ شيءٍ مِنَ الفرش والأمتعة، ولا يُحْوِجُها لشيءٍ. وسترى ذلك إن فعلت. قال: فإن رغبةَ العبد فيها قويَّةٌ ظاهرًا وباطنًا.

فامتثلت إشارته, وتجهَّزت حتى قدِمَتْ عليه مصر، فاستعادها بعد أن أنزلها بقاعةِ المشيخة باليبرسية، واحتفل بشأنها، وكادت أمُّ أولاده تُقَدُّ غُبنًا.

واستمرت في عصمته حتى سافرت إلى حلب، وصُحبتُها الشَّيخ شمس الدين بن قمر، لزيارة أهلها في نصف شوال سنة إحدى وأربعين وثمان مائة. ففارقها حينئذٍ، وقال: إنَّها أكملت في عصمته خمس سنين سواء، ثم عادت في رجب مِنَ السَّنة التي تليها، فأعادها إلى عصمته، واستمرت معه حتَّى مات. وورثته.

ولم يكن -مع شدة ميلهِ إليها- يبيتُ عندها، إنَّما كان يجيئُها في يومي الثلاثاء والجمعة مِنْ كل أسبوع غالبًا، كما سلف في الباب السَّابع، ولم يُرْزَق منها أولادًا، وهو القائل في حقِّها ما أسلفتُه مِنَ النّظم في الباب الثاني (٢)، صان اللَّه حِجابَها.


(١) في (أ): "أرسل".
(٢) ١/ ١٩٨.