للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بقول اللَّه تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: ٢١]، وقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ عَظُمَت مصيبتُه، فليذكر مُصيبته بي، فإنها لتهونُ عليه". وقد قيل: إن اللَّه تعالى لم يخلُقْ شيئًا قطٌّ إِلَّا صغيرًا، ثم يكبر، إِلَّا المصيبة، فإنَّه خلقها كبيرةً ثم تصغُر.

قيل: دخل ابن عُتبة على المهديِّ يعزِّيه بالمنصُور، فقال له: آجَرَ اللَّه أمير المؤمنين فيمن مات، وبارك له فيما بقي مِنْ عمره مِنَ الأوقات، فلا مصيبةٌ أعظمَ مِنَ مصيبته، ولا عُقبى أفضل مِنْ خلافته، واحتَسِبْ أعظم الرَّزِيَّة.

والمخدُوم بعلمُ أنَّ الموتَ سِهامٌ يردُه سائرُ البشر، ومذاقُ سيطعمُه أهلُ اليدو والحضر، لا يسلَمُ منه ملِكٌ نافِذُ الأمر، ولا فقير خامِلُ القدر.

وما الدَّهْرُ إِلَّا هكذا فاصطَبِرْ لَهُ ... رَزِيَّةُ مالٍ أو فِرَاقُ حَبِيبِ

وقد فَارَقَ النَّاسُ الأحبَّةَ قبلَنَا ... وأعيى دواءُ الموتِ كلَّ طبيبِ

وغيره:

لعمرُكَ ما الرَّزِيَّة هَدْمُ دارٍ ... ولا شاةٌ تَموت ولا بَعيرُ

ولكنَّ الرَّزيَّة مَوْتُ شَخصٍ ... يَمُوتُ بِمَوْتِه علم كثيرُ

ولقد حَصَل على أهل الحرم الشَّريف مِنَ الأسف ما لا يُعَبَّرُ عنه، ولا يوصف، وابتهل الجميعُ إلى اللَّه تعالى في هذه المثساعر (١) العظيمة أن يجعل ما نقلَه إليه خيرًا ممَّا نقلَه عنه والرَّجاء قويٌّ أن يحصُل للمخدوم مِنْ خيري الدَّارين ما يُثلِجُ به الصَّدرَ، وتقرُّ به العينُ، واللَّه تعالى يجعلُ التَّعزية للمخدوم لا به، والخَلَفُ عليه لا منه، ولا يعصمُ الدَّهر المطروقَ بمثل هذا الرُّزء القاهح، إنَّه بالإجابة جدير، وعلى ما يشاءُ قدير، وعلى اللَّه على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.


(١) في (ب): "الساعة".