للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المرجوع إليه في عِلْمَي التَّجريح والتعديل، وحيد دهره في الحفظ والإتقان. فريد عصره في النَّباهة والعرفان، فيلسوف علل الأخبار وطبيبها، إمام طائفة الحديث وخطيبها، المقدَّم في معرفة الصحيح والسقيم مِنَ الخبر، أبي الفضل شهاب الدين ابن حجر. حرس اللَّه هذا الشِّهاب كما حرس به سماء السُّنَّة، وبوَّأه أبهى المنازل مِنْ غُرف الجنة، وجعل سعيه في العلم مشكورًا، وجزاه بما صنف فيه جزاءً موفورًا. قد رتبه ترتيبًا بديعًا، وسلك في تهذيبه مسلكًا منيعًا، فهو -وإن صَغُرَ حجمُه- كُنَيف مُلىء علمًا، غير أن ألفاظه ضاقت بمعانيه صدرًا، وعلت عبارته عَن فهم المبتدئين قدرًا، لأنه:

يُشير إلى غُرِّ المعاني بلفظه ... كحِبٍّ إلى المُشتاق باللَّحظ يرمِزُ

لا جرم أن المشتغل به يحتج إلى فكِّ رمزه، ورفع المانع عن الوصول إلى جواهر كنزه. ولم يكن عليه شرحٌ يستعين به الطَّالب، ويتوصل به إلى نيل ما فيه مِنَ المطالب. فلذلك ندبني الإمام المصنِّفُ لشرحه، وحلَّ مُقفل لفظه وفتحه. فانتدبت له مستعينًا باللَّه سبحانه وتعالى على ذلك، وسلكت (١) في شرح معانيه، وحلِّ تركيب مبانيه، أقرب المسالك. وأنا أسأل مِنْ فضله أن يلحظه بعين رضاه، وإن لم يكن موافقًا سنن هواه، فإن بضاعتي في العلم مُزْجاة، والاعتراف عند الكرام مِنَ اللَّوم منجاة. وأرغب إلى كلِّ فاضل يقف على هذا التصنيف أن يُصلِحَ ما وجد فيه مِنْ خَلَل أو تحريف، فإن التعاون على البرِّ والتقوى مطلوبٌ. والمجتهد إذا أخطأ له نصيبٌ من الأجر مكتوب. واللَّه أسأل أن ينفع به حالًا ومآلًا. ولا يجعل ما علَّمنا مِنَ العلم علينا وَبَالًا، فإنَّه على كلِّ شيء قدير، وبالإجابة جدير.

ورأيت بخطه "فهرست النُّخْبَة"، وصف مؤلفها بسيدنا وشيخنا، الشيخ الإمام العالم العلامة، شيخ المحدثين، أوحد الحفَّاظ، رُحْلة الطالبين. وقال في موضع آخر منها: عمدة المحدِّثين.


(١) في (أ): "وسلك"، خطأ.