الذي إذا سلك بحر التَّفسير، كان التَّرجُمان، والآتي مِنْ فرائد فوائده بعقود الجُمان، أو ركب متن الحديث، كان أحمدَ الزَّمان. وأظهر من خفايا خفاياه ما لم يُسبق إليه أبو حاتم ولا ابن حِبّان. وإن تكلَّم في الفقه وأصوله، علم أنه الشافعيُّ، وأبرز من لوايا رواياه ما لم يتجاسر عليه الإمام ولا الرافعي، أو تيمم كلامَ العرب على اختلاف أنواعه، فسيبويه والمبرِّد، وإن عرض العَرُوضَ أو الأدب على انشعاب أنحائه، فالخليل بن أحمد. متى تحدَّث المتفنِّنُون بشيء مِنَ العلم، كان مالك قياده، وأستاذَ نُقَّاده. أبو الفضل شهاب الدين، قاضي القضاة بالديار المصرية والدول الأشرفية، خلّد اللَّه نِعَمَه وأبَّد سعادته وأيَّد هممه. فمثلت بين يديه بالمدرسة البيبرسية، فسمعتُ مِنْ حفظه "المسلسل بالأولية"، ثم كتبتُ إملاءه مع مَنْ كتب، ولازمتُ مجالسه، وكتابة مصنفاته ومحاضراته. ثم ذكر أشياء مما امتدحه بها، ليس هذا محلُّ إيرادها.
وقال في موضع آخر: لما كانت الرِّحلة في العلوم دأب النُّبهاء، وكان المستحقَّ لها في هذا العصر والمنفرد بها علوًّا وبَهَاء، مولانا شيخُ الإسلام علامة الأنام، حافظ العصر، عين أهل الدهر، مَنْ سارت مصنفاتُه في جميع الآفاق، وكانت فتاويه وأماليه كالشمس في الإشراق، قاضي القضاة شهاب الدين أبو الفضل، بارك اللَّه في حياته، وأدام على أهل الأرض عظيم بركاته.
وقال في موضع آخر: سيدنا ومولانا، قاضي القضاة، شيخ الإسلام، علم الأئمة وإمام الأعلام، بَحْرُ الوجود، ومعدِنُ الجود، حافظُ العصر، وأستاذُ الدَّهر.
وفي موضع آخر: علَّامة الدنيا، أطال (١) اللَّه بقاءه، وأدام إلى ذرى المجد ارتقاءه.