للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في الزمن اليسير. وقفتُ مِنْ ذلك على وَقْف المارستان المنسوب للمنصور قلاوون، ووقْفِ المدرسة الشيخونية.

وكان إذا رأى خطأً في شيء من الأصول القديمة، وأصلحه بالهامش (١)، يكتبُ تاريخ إصلاحه كما فعل في "البخاري"، في حديث: كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بارزًا يومًا للناس، فأتاه جبريل، فضَبَّب في نسخة النَّاصرية على لفظ جبريل، وكتب بالهامش: صوابه رجل. كتبه ابن حجر سنة ست وعشرين وثمانمائة.

قلت: وقد يسَّر اللَّه إصلاح عدة أماكن لا بدَّ مِنْها في هذه النسخة، حيث قرىء عليَّ فيها في سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، لكن أصلحت مِنْ غير تعيين، فلله الحمد.

وكتب بخطه على فتيا أجاب عنها قاضي القُضاة علم الدين، وعَزَا النَّقلَ فيها "للبحر" ما نصه: أمَّا "البحر" فكثير عجائبه.

وكذا كتب له في موضع آخر، فقاقِع (٢) ما تحتها طائل، ودعوى لا تسوى سماعها.

والعجب أنَّه كان يُطالعُ المصنَّف، ويقيدُ عليه بخطه الفوائد النَّفسية على عادته، ثمَّ يقفُ عليه بعد دهر، فيعيد نظره فيه، لظنِّه أنَّه ما رآه قبلُ، وربما توهَّم أنَّ خطَّه خطُّ بعضِ مَنْ يَشْتَبِه خطُّه به. فحكى لي العلامةُ الفريدُ قاضي المذهب الحنبلي العز العسقلاني، قال: جئتُه يومًا ومعي مجلد، فأخذه مني، وصار يُمعن النَّظر فيه، وسألني: أعلمتَ لِمَنْ هذا المجموع؟ فقلت: أظنُّه للأبناسي، فقال: ما دليلك على هذا؟ فقلت له: وجدتُ فيه وصولًا -أو نحوه- بخطه فقال: ليست في الأبناسي هذه اللَّباقةُ، يعني: أن المجموع ليس مِنَ الفنون التي يتصرف فيها. قال: وكلُّ هذا وهو يطالعه، إلى أن أتى على آخره وقد مر بموضعٍ عليه حاشية، فقال: وهذا خطُّك باعتراض عليه أو نحوه. ولما انتهى وفارقته، رجعتُ فتصفَّحت المجموع،


(١) "بالهامش" ساقطة من (أ).
(٢) في (ح) "قعاقع".