وسمع الكتب الستة، و"مسند الإمام أحمد بن حنبل"، و"سنن البيهقي"، و"معجم الطبراني"، وضمَّ إلى هذا القدر ألفَ جزء من الأجزاء الحديثية، هذا أقل درجاته، فإذا سمع ما ذكرناه، وكتبَ الطِّباق، ودار على الشيوخ، وتكلَّم في العلل والوفيات والأسانيد، كان في أول درجات المحدّثين، ثم يزيد اللَّه تعالى من شاء ما شاء.
ويقرب منه قول العلامة مُغَلْطَاي: الذي يطلق عليه اسم المحدث في عُرف المحدثين أن يكون كتب وقرأ وسمع ووعى، ورحل إلى المدائن والقرى، وحصَّل أصولًا، وعلَّق فروعًا من كتب المسانيد والعلل والتواريخ التي تقرب من ألف تصنيف. انتهى.
والمقتصر على السماع لا يسمى محدثًا. قال الإمام تاج الدين ابن يونس في "شرح التعجيز": إذا أُوصي للمحدث تناول مِنْ علم طرق إثبات الحديث، وعدالة رجاله؛ لأن من اقتصر على السمع فقط ليس بعالم. ويشهد له قول الرافعي، تبعًا للأصحاب فيما إذا أوصى للعلماء: إنه لا يدخل فيها الذين يسمعون الحديث، ولا عِلْمَ لهم بطرقه، ولا بأشياء مِنَ الرواة والمتون، فإن السماع المجرد ليس بعلم.
ونحوه قول السبكي: لا يدخل في الحديث مَنِ اقتصر على السمع المجرّد، وكذا قال بعض المتأخرين: المحدث عند الفقهاء لا يطلق إلا على من حفظ متون الحديث، وعلم عدالة رجاله، وجرحها فقط. والمقتصر على السماع خارج عن هذين.
وقال الفارقي: لا يصرف لمن عرف طرق الحديث ولم يعرف أحكامه، لأنه لا يصير من علماء الشرع بذلك القدر، وتابعه تلميذه ابن أبي عصْرُون في "الانتصار". وتوقف صاحب الترجمة في ذلك، فإنه قال: هذه مكابرة، لأن القسمة رباعية، وأرفع الأربعة من له السَّماعُ الكثير، والعلم بالطرق والعلل.
قلت: ولعل الأولين إنما منعوا تسميته بذلك حقيقةً؛ لأنه مُسند، ومن عداهم أراد المجاز.