للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واثقٌ مِنْ هذا المولى (١) يستُره على أهل هذا الفن، عارف بما له مِنْ إنعام على من أجاد منهم، ومن وقفت على هذا الكتاب الشاهد لمؤلفه أنه الحاكم الذي لا يقبل رِشوة، الفريد وإن كان له من مصنفاته إخوة، وتأملت أبوابه، فدخلتْ عليَّ المسرَّةُ من كل باب، ولم أعلم -وأطربني- أهو نزول الغيث أم وقع الرباب، فعوذته حين أطربني، وهو الفريد بالمثاني، وثنيته نحو القلب، وإن كان ما له في الحقيقة ثاني، وأشرقَتْ تلك الفرائدُ منه, فكَلَّ عن (٢) وصفها غرب لساني، وجنيت عليه بكثرة ما اجتنيت من أوراقه ثمر الفوائد، فأنا على الحالتين جاني، وقبلته ألفًا وألفًا، فقال لي غرامي زده واضرب الألف في الألف. فتبارك الذي اطلع في سماء البلاغة بدرًا هاديًا، وأرواه مما رواه عن غيره، فأصبح صاديًا (٣)، وأيَّده حتى نَظم في هذا العقد الفريد ما شذر مِنْ فنون الآفاه والإفادة، وأعانه على ما جمع فيه من المحاسن، فكان جامع الحسنى وزيادة، فكل أديب أبدى إذ رام (٤) مجاراة هذا الصَّدر عجزًا، وصيَّر نفسه إذ رأى بديهته وروِيَّته فُقِدا أو عَزَّا. كيف لا، وقد أنهلهم منه ندى فضلٍ مِنْ خاطرٍ وكفْ، وأعجزت فصاحتُه كلَّ واصفٍ قام في ملأ مِنَ الأدباء وصفٌ، ودنا بفوائده مِنَ القُلوب، فعقل مجاريه قاصٍ قاصر، ومهر فأمهر أبكار المعاني جواهرَ لفظِه، فأكرِمْ به في الحالتين ماهر (٥)! فلهذا أحجمتُ عن وصفه (٦)، ولا يُنكر مِنْ مثلي، ولو كنتُ قُدَامةَ الإحجام، وقدحت زِنادَ الفكر لإسراج مطيَّة العقل، فلم أظفر إلَّا مِنْ عيِّ لساني بالإلجام.

هذا وقد شاهدتُ مِنْ مؤلِّفه كعبةَ أدبٍ، لو حجَّها جدِّي قبلي تهيَّبَ النُّطقَ، (حتى قيل: ذا حَجَرُ)، وسمعت منه ما لو سمعه الفصحاء، لعيَّوا


(١) في (ط): "السيد".
(٢) في (ط): "من".
(٣) في (ط): "صافيًا".
(٤) في (ب، ط): وقد رام.
(٥) في هامش (ح): كتب النواجي ما نصُّه: اسم الفاعل من "أمهر" إنما هو "ممهر" لا "ماهر"، وبذلك يعلم فساد ما قصده من الاشتراك في لفظة "ماهر" المدلول عليه بقوله: "في الحالين".
(٦) في (ط): أحجمت عنه.