للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بخلاف ابن تيمية، فكان أميرُ البلد حين مات غائبًا، وكان أكثر مَنْ بالبلد مِنَ الفقهاء قد تعصَّبُوا عليه حتى (١) مات محبوسًا بالقلعة، ومع هذا، فلم يتخلَّف منهيم عن حضور جنازته والتَّرحُّمِ عليه والتَّأسُّف عليه إلا ثلاثة أنفس، تأخَّروا خشيةً على أنفسهم من العامة. ومع حضور هذا الجمع العظيم، فلم يكن لذلك باعثٌ إلا اعتقادُ إمامته وبركته، لا بجمع سُلطانٍ ولا غيره، وقد صح عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه قال: "أنتم شُهودُ اللَّه في الأرض".

ولقد قام على الشيخ تقي الدين جماعةٌ مِنَ العُلماء مرارًا، بسبب أشياء أنكروها عليه مِنَ الأصول والفروع، وعُقِدَتْ له بسبب ذلك عدَّةُ مجالس بالقاهرة ودمشق، ولا يُحفظ عن أحد منهم أنَّه أفتى بزندقته، ولا حَكَمَ بسفك دمه، مع شدة المتعصبين عليه حينئذٍ من أهل الدولة، حتى حُبس بالقاهرة ثم بالإسكندرية، ومع ذلك، فكلُّهم معترِفٌ بسعة علمه (٢)، وكثرة ورعه وزُهده، ووصفه بالسَّخاء والشجاعة، وغير ذلك مِنْ قيامه في نُصرة الإسلام، والدُّعاء إلى اللَّه تعالى في السِّرِّ والعلانية, فكيف لا ينكر على من أطلق أنه كافر (٣)، بل مَنْ أطلق على مَنْ سمّاه شيخ الإسلام الكفر، وليس في تسميته بذلك ما يقتضي ذلك، فإنَّه شيخٌ في الإسلام (٤) في عصره بلا ريب.

والمسائل التي أنكرت عليه ما كان يقولُها بالتَّشهي، ولا يُصِرُّ على القول بها بعد قيام الدليل عليه عنادًا، وهذه تصانيفُه طافحة بالرَّدِّ على مَنْ يقولُ بالتَّجسيم والتبرؤ منه، ومع ذلك فهو بشرٌ يخطىءُ ويُصيبُ، فالذي أصاب فيه -وهو الأكثرُ- يُستفاد منه، ويُترحَّمُ عليه بسببه، والذي أخطأ فيه [لا يُقلَّدُ فيه] (٥)، بل هو معذورٌ؛ لأن أئمة عصره شهدوا له بأن أدواتِ الاجتهاد اجتمعت فيه، حتى كان أشدُّ المتشغِّبين عليه، القائمين في إيصال الشَّرِّ إليه -وهو الشيخ كمال الدين الزملكاني- يشهدُ له بذلك، وكذلك


(١) في (أ): "حين".
(٢) في (ط): فضله.
(٣) في (أ): "كان كافر".
(٤) كذا كانت في (ح)، نم غيرت فأصبحت: "شيخ مشايخ الإسلام".
(٥) ما بين حاصرتين ساقط من (أ).