للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحديث حتى يجيء أحدُهم بكتاب يحمله كأنه سجلُّ كاتب، هو كما قال الحافظ أبو الفتح ابن سيد الناس بحسب أزمنتهم.

وأبلغ منه ما يُروى عن جماعة من السلف رحمة اللَّه عليهم أنهم تحرَّوا، فلم يطلقوا اسم المحدث إلا على مَنْ كان يستعمل الحديث؛ وممَّن نصّ على ذلك الإمام أحمد رضي اللَّه عنه، فذكر ابن السمعاني في كتابه المذكور، أنَّ أبا القاسم البغوي -وناهيك به، لكن كان ذلك في ابتداء أمره- قال: سألت الإمام أبا عبد اللَّه أحمد بن حنبل أن يكتب لي كتابًا إلى سُوَيْد بن سعيد الحَدَثاني، فكتب: هذا رجل يكتب الحديث، فقلت: يا أبا عبد اللَّه، لو قلت: من أهل الحديث؛ فقال: أهل الحديث عندنا من يستعمل الحديث.

وذكر الخليلي في "الإرشاد" بسنده إلى عباس الدُّوري، قال: كتب لي يحيى بن معين (١)، وأحمد بن حنبل إلى أبي داود الطيالسي كتابًا، فقالا فيه: إن هذا ممن يكتُب الحديث، وما قالا: إنه من أهل الحديث.

وقال عُمَر بن هارون فيما أورده أبو القاسم بن مَنْده في "الوصية" من طريقه: من لم يَجعَل عمره كله في طلب الحديث، لم يكن صاحب حديث.

وقال الإمام أبو يحيى (٢) زكريا الساجي في كتابه "اختلاف الفقهاء": حدثنا أحمد بن محمد، سمعت يحيى بن معين يقول: يحتاج المحدث إلى أربع خلال: الشهرة بطلب العلم، والبراءة من البدعة، ويكون صدوقًا، ولا يعمل بشيء من الكبائر، فمن كنت هذه صفته، فهو محدّث.

وقال مروان الفَزَاريُّ (٣) فيما أورده أبو القاسم ابن منده في "الوصية"،


(١) في (ط): "سعيد"، تحريف.
(٢) في الأصول: "أبو يعلى"، خطأ. وهو محدث البصرة أبو يحيى زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن الساجي. توفي سة ٣٠٧ هـ انظر "السير" ١٤/ ١٩٧.
(٣) تحرف في (أ) إلى "الفرادي" وهو أبو عبد اللَّه مروان بن معاوية بن الحارث الفزاري، مترجم في السير ٩/ ٥١.