فما كؤوس الشُّرْب مَلأى طِلَا ... أرفعُ مِنْهَا للنُّهى بانتهابْ
وما الرِّياضُ الزَّاهِرَاتُ الرُّبى ... جادَ لها الغيثُ بفرْطِ انْسكابْ
غنّى غَنِيَّ الوُرْقِ أوراقَها ... فَنَقَطَتْ عُجْبًا بدُرِّ السِّحابْ
فراقتِ الأبصارَ أغصانُها ... وأطرب الأسماع (١) وقعُ الرَّبابْ
يومًا بأبْهَى مِنْ حديثٍ لَهَا ... أحيا مواتَ الأدَبِ المُسْتَطابْ
أهدى لنا كانونُ أزهارِها ... فقلتُ يا بُشْرايَ نيسانُ آبْ
قبَّلْتُها ثمَّ ترشَّفْتُها ... وما تجاوَزْتُ الرِّضَا بالرُّضَابْ
كأنها نابَتْ قصيدًا زَهَتْ ... مِنْ نظمِ إبراهيمَ أدنى منابْ
ذُو النَّظمِ كالغَيْثِ انسجَامًا إذا ... دعاه لا يخطىءُ صَوبَ الصَّوابْ
والسَّجْعُ يُزْري بحمامِ الحِمَى ... بالحكمة الغَرَّا وفَصْلِ الخِطَابْ
فالنَّثْرُ كالنَّثْرَة والشِّعر كالشِّعرى ... ضياءً فاق ضَوءَ الشِّهابْ
هذا إلى عِلْمٍ وحِلْمٍ إلى ... فصلٍ وفضلٍ جائدٍ للطِّلابْ
مولاي هذي خِدْمَةٌ قصَّرَتْ ... بالعجزِ عَنْ نظمٍ إذا طالَ طابْ
بتُّ بها في ليلتي ظامِئًا ... أرومُ تَغويضَ الشَّرابِ السَّرابْ
أضرِبُ أخماسي بأسداسِها ... ولا يدورُ النَّظمُ لي في حِسَابْ
أُثِبْتُ عَنْ مُرجانِكم بالحَصَى ... فاللَّه يَجْزيكَ جزيلَ الثَّوابْ
اللَّهَ في صبِّ جَفَاهُ الكَرَى ... والأهْلُ والدَّارُ وطِيبُ الشَّبابْ
عطفًا على مبتدأ تابع ... مِلَّةَ إبراهيم فيما أجابْ
فافتح له بالصِّفْحِ بابَ الرِّضا ... وسُدَّ عَنْ أخلالِه كلَّ باب
وهاتِ فَسِّرْ ما اسمُ ذاتٍ إذا ... ما صَحَّفُوه كان مأوى الرُّضَاب
وإن تبدّل بعد ذا أولًا ... منه ترى لُغزًا يَرُومُ الجَوَابْ
(١) في (ط): "للأسماع".