للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على أنَّ الإحاطة بجميعه لا تُستطاع، وحصرُه غير ممكن بالإجماع، فتقاريظُه -مع كثرتها- إليها المنتهى بالاتِّفاق، ورسائلُه فاقت مع سيرها في الآفاق، وأجوبته عَنِ الألغاز غاية في الإيجاز والاحتراز، وكتابتُه لمن عَرَضَ عليه، أو جلس مستفيدًا بين يديه، أو سمع عليه الحديثَ في القديم والحديث، أو قرأ عليه شيئًا مِنْ مصنفاته أو شافهه بإملائه ورواياته، فأشهر مِنْ أنْ تُذكَر، وأظهر مِنْ أن تُحصر، ومنظومه الذي ليس له فيه شرك وإن جَمَعَهُ في سلك فلم نلتزم (فيه) (١) الاستيعاب، إنما (٢) اقتصر منه على الكثير مما يحلُو ويُستطاب، إذ منه على طريقة أهل الأدب ذوي الحجا والرتب ما كان يستغفر اللَّه منه، ويعتذر لخواصه عنه، كما سمعت فلك منه مرارًا، سرًا وجهارًا، لوفور ديانته وعظيم أمانته، على أن بعض أعدائه وحُسَّاده قد دسَّ فيه ما ليس وَفْق مُراده ممَّا يتحقَّقُه أهلُ العرفان المخالفين حظ النفس واتِّباع الشيطان. ومما ينسب إليه أبياتٌ (٣) في قصِّ الأظفار أيام الأسبوع، ولا يجوز نسبتها إليه (٤).

وبالجملة ففي عُلُوِّ منزلته وشريفِ مرتبته ما يمنعُ الافتخارَ بما ذكرناه ورتَّبناه وحرَّرناه، لكن إنَّما أردنا الاقتطاف مِنْ تلك الأزهار والاستجناء مِنْ تلك الثمار، لارتياح النفوس إليها، وتجدُّدِ العهد القديم لديها، واللَّه تعالى يتفضَّلُ عليه بالقَبُول، ويبلَّغه في الآخرة وإيَّايَ خيرَ مأمول، بمنِّه وكرمه.

ولنختم هذه الفصول بقصيدة له فيها مواعظُ وآداب على طريقة ابن القيم، حيث ذمَّ نفسَه وازدراها في الأبيات التي أولها "بُنَيَّ أبي بكر"، قالها شيخُنا لمَّا وعك في سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة، فقال -وسمَّاها "الموقظة"-:

بُنَيَّ عليٍّ قد تفاقم وِزْرُه ... فليس على مَنْ خاض في عِرضِهِ وِزْرُ

بُنَيَّ عليٍّ مثلما قال ربُّه ... ظلُومٌ كنُودٌ شأنُه الغَدْرُ والمَكْرُ


(١) ساقطة مِنْ (ب).
(٢) في (أ): "بما".
(٣) في (أ): "أبياتًا"، خطأ.
(٤) وقد أوردها السفيري في "مختصره" قال: وقال شيخنا السيوطي في "الإسفار عن قلم الأظفار": وقد اشتهر على الألسنة هذه الأبيات، ولا ندري قائلها ولا هي صحيحة في نفسها.