للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صاحب "القوت"، فإنه قال: لم يتعرَّضوا لمقدار الخاتم المباح، ولعلهم اكتفوا بالعرف، فما (١) خرج عنه كان إسرافًا كما قالوا في خلخال المرأة. قال: ولكن الصواب الضبط بما نص عليه الحديثُ، وهو ما أخرجه أبو داود وصحَّحهُ ابنُ حِبان عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، أنّ النبيَّ قال للابس خاتم الحديد: "ما لي أرى عليك حِلْيَةَ أهل النَّار"؟ فطرحه، وقال: يا رسول اللَّه، مِنْ أيِّ شيء أتخذُه؟ قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اتَّخِذْهُ مِنْ ورِق ولا تِتمَّه مثقالًا". انتهى.

ونسْبَةُ الحديثِ إلى أبي هريرة رضي اللَّه عنه سهوٌ، فهو في الكتابين المذكورين مِنْ حديث بُريدة بن الحصيب رضي اللَّه عنه.

وأخرجه أيضًا النَّسائي والتِّرمذي، وقال: غريب. وأخرجه أيضًا أحمد بن حنبل وأبو يعلى في "مسنديهما"، وأورده (٢) الحافظ الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة مما ليس في الصحيحين"، ورجاله رجال الصَّحيح، إلا عبد اللَّه بن مسلم، المعروف بأبي طيبة، فهو محدِّثٌ مشهور، وتصحيحُ ابن حبان لحديثه دالٌّ على قَبُوله. فأقلُّ أحواله أن يكونَ مِنْ درجة الحسن.

وقوله: إنَّهم لم يتعرضُوا له إلا ما استنبطه مِنْ مسألة الخلخال، فيه نظر، فإنَّه يُؤخَذُ مِنْ كلام بعضهم اعتباره بما دلَّ عليه هذا الحديث، وذلك أنَّ الفُوراني قال: يُكْرَهُ الخاتمُ مِنْ حديد أو شَبَهٍ، لحديثٍ ورد فيه. انتهى.

والحديثُ المذكور هو المراد، فإنَّ فيه ذكر الحديد والشَّبَه. فإذا احتج به لكراهة الحديد مِنْ جهة ما ذُكِرَ، لزمه الاحتجاجُ به لمنع أن يبلُغ به مثقالًا لصريح النَّهي فيه. وقد جزم بعض مَنْ أدركناه مِنَ الشُّيوخ بأنَّ الحديثَ المذكور إن ثبت، وجبَ الضَّبط به. وقد بيّنت أنه صالحٌ للحجة، فليُضْبَط به، واللَّه الهادي للصواب.


(١) في (ب): "كما".
(٢) في (أ): "ورواه".