وجلالةً واحترامًا ووقعًا في النُّفوس، ومحبَّة في القُلوب، وعظيم رغبتَهِ في العِلْم والمذاكرة، وإثارةِ الفوإئد، وكثرةِ أدبه مع العُلماء المتقدِّمين منهم والمتَأخِّرين، إلى غير ذلك مِنَ التَّهجُّدِ وكَثرَةِ الصوم والتِّلاوة والتضَرُّع، وعيادة المرضى، وشهودِ الجنائز، والاعتقاد في الصَّالحين وزيارتهم وطلب الدعاء منهم، مع الإنكار على مَنْ يخرُجُ عَنِ القوانين الشَّرعية مِمَّن لم يعلم صلاحيَّته قبل ذلك، واتَّباع السُّنَّةِ في جميع أحواله، وشدة خوفه، وجمع العلم مع العمل، وبيان طريقته في تقضِّي أوقاته، وشيءٍ مِنْ وصفِه الأسنى ومناقبه الحُسْنَى.
أما تحريه في مأكله ومشربه:
فأمر مستفيض؛ بحيث إنَّ عياله أحصروا له شيئًا فأكله واستطابه، بناءً على أنه ممَّا جرت عادتُه بالأكل منه، وقبل تمام الأكل، ألقى اللَّه تعالى في خاطره السُّؤال عنه، فذكروا له جهةً لا يحبُّ الأكلَ منها، فاستدعى بتَشْطٍ وقال: أفعل كما فعل أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه، ثم استقاء ما في بطنه.
قلت: فأخرج يعقوب بن شيبة في "مسنده" مِنْ طريق نُبَيْحٍ العَنَزِي، عن أبي سعيدٍ رضي اللَّه عنه، قال: كنا ننزل رفاقًا، فنزلتُ في رفقة فيها أبو بكر رضي اللَّه عنه على أهلِ أبياتٍ فيها امرأة حبلى، ومعنا رجلٌ، فقال لها: أيسُرُّكِ أن تلدي ذكرًا؟ قالت: نعم، فسجَعَ لها أسجاعًا، فأعطته شاةً، فذبحها وجلسنا نأكل، فلمَّا علمَ أبو بكر رضي اللَّه عنه بالقصَّة، قام فتقيأ كلَّ شيءٍ أكلَ.
وأخرج البخاريّ مِنْ حديث يحيى بن سعيد، عن (١) عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة رضي اللَّه عنها، قالت: كان لأبي بكر رضي اللَّه عنه غلامٌ يُخْرِجُ له الخراجَ، وكان أبو بكر رضي اللَّه عنه يأكلُ مِنْ خراجه، فجاء يومًا بشيءٍ، فأكل منه أبو بكر رضي اللَّه عنه، فقال له