للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واستعرت منه مرة "معجم شيوخه"، وذلك بعد أن حصل عليه (١) بسببه مِنْ بعض الأعداد ما أسلفتُ الإشارة إليه، وصار هو لا يسمح به لكلٍّ أحدٍ، حتى إنَّ شيخنا العلَّامة ابن خضر كان كتب منه قديمًا قطعةً، فما تيسر له إكمالها، فأقام عندي مدَّة، ثم طلبه منِّي قبلَ أن أكتبَه أو شيئًا منه، ودعت ضرورةٌ إليه ثانيةً عن قُرْبٍ، لكنني استحييتُ منه، فكتبت له في قائمة الأسماءِ التي اضطررت للكشف عنها منه أطلب الوقوف عليها، وفي ظنِّي أنَّه يكتبها لي بخطه جريًا على عادته معي في كثيرٍ مِنَ الأحاديث والتَّراجم والأسانيد التي كنتُ ألتمسُها منه، فيكتبها لي بخطه. فبمجرَّد أن دخل القاصدُ إليه، عاد و"المعجم" معه، فسُررت به كثيرًا، ورجعت مِنْ فوري، ففككته مِنَ الجلد، وتجردت فكتبت منه التراجم دون الأسانيد، اكتفاءً بالفهرست، مع تنبيهي في كلِّ ترجمة على أسماء ما ذكر فيها مِنَ المرويات. وتمَّ في أيام يسيرةٍ أظنُّها أربعة، وجئته به، فقضى العجب مِنْ ذلك، وسألته في فهرست الكتاب بخطه ففعل.

ولو شرحتُ ما اتفق لي معه مِنْ ذلك، لقضي العجب، فكيف بغيري مِنْ جماعته، بل كان شديدَ الانكار على مِنْ يبخل بعارية الكتب، بحيث سمعته مرة يقول: أرسل إليَّ القاضي بدر الدين بن التِّنسي المالكي يطلب "السُّنن" لأبي داود ليحدث به، فأعلمته بأنَّ النُّسخة التي عندي بخطي، وتعسُرُ القراءة منه غالبًا على مِنْ لم يكن مِنْ أهل الحديث (٢)، لكنه كان عنه الأمير تغري برُمش الفقيه نسخةٌ موقوفةٌ بخط المحدث أبي العباس أحمد، الملقب بالملك المحسن ابن السُّلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، وهو وإن كان الآن في بيت المقدس فهي عند فلان، وسمَّى له بعض أصحابنا المحدثين، وقال له: إنه يطلبها منه، فأرسل إليه فأنكر وجودها، وقال: إنَّها عند الأمير،


(١) "عليه" ساقطة مِنْ (ب).
(٢) في هذا إقرار مِنْ الحافظ ابن حجر رحمه اللَّه برداءة خطه، لا كما ادعاه تلميذه المصنف مرارًا في كتابه هذا مِنْ جودة خط شيخه، وأنه كتب الخط المنسوب كسلاسل الذهب! ومن رأى خط الحافظ، رحمه اللَّه يتبين له ذلك.