وكنت أقرأ عليه يومًا بعض الأجزاء التي شاركه نقيبه القاضي شهاب الدين بن يعقوب في سماعها، وهو واقف بخدمته على عادته، فقال له: اجلس، فإنَّ لك في هذا الجزء مشركة، والتفت إليَّ، فنبَّهني لذلك.
وسمعنا عليه بمشاركة أمِّ أولاده وقريبه الزَّين شعبان، بل بموقعه ناصر الدين ابن المهندس، بل بتلميذه ابن سالم، إلى غير ذلك، ممَّا كان الأوْلى بنا خلافه، لكن شَرَه الطَّلب أدَّى إلى ذلك، لا سيما مع العلم بأنَّه لا يخدش في جلالته، بل ولا يحصُلُ له بذلك أدنى تأثير.
وأخبرني مستمليه الشَّيخ أبو النعيم رضوان رحمه اللَّه -وهو ممَّن سمعنا عليه أيضًا بمشاركته- أنَّه لم يَلْقَ في ذلك أكثر نُصحًا، ولا أحسنَ بشرًا، ولا أجملَ طريقةً منه. وقال: إنَّه مكث مدةً يراجع بعض الحُفَّاظ مِنْ شيوخه في جزء انفرد به بعضُ المسندين، فما تيسَّر له إعطاؤه إياه، إلى أن علم صاحبُ التَّرجمة، فبادر إلى إعطائه له.
وكم مِنْ مُسْنِدٍ استدعى به إلى مجلسه لإسماع الطلبة عليه؛ كالواسطي والدَّنديلي والشمس البَيْجُوري. بل قرأ بنفسه على بعضهم.
وعندي أنَّه ما قرأ خصوص "صحيح مسلم" على ابن الكويك إلا لتنتشر روايته فيه، وإلا فهو كان قد أخذه قديمًا عن البالسي بمثل سماع ابن الكويك سواء. وكذا تخريجه "المشيخة الباسمة للقبابي (١) وفاطمة" ما أراد بها إلا إعلام طلبته بذلك، ونحوه تخريجه "مشيخة الرهان الحلبي"، إلى غير ذلك ممَّا لا أستطيع حصرَه.
وسأله صاحبُنا الجمال بن السَّابق الحموي -جمَّل اللَّه بوجوده- في سنة سبع وثلاثين -كما حكاه لي- أن يرشِدَه لأعلى الموجودين إسنادًا، فذكر له البدر حسين البوصيري، والزَّين عبد الرحمن الزركشي، وعائشة ابنة القاضي علاء الدين الكناني أم قاضي المذهب وعالمه العز الحنبلي، وقريبتها فاطمة. وقال له: إذا سمعت مِنْ هؤلاء، تكون مساويًا لي في كثيرٍ مِنَ المرويات.