للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كانت مُسائلة الرُّكبان تخبرني ... عن أحمد بن عليٍّ أحسنَ الخبرِ

لمَّا التقينا فلا واللَّه ما سَمِعَتْ ... أُذني بأحسَنَ ممَّا قد رأى بصري

قلت: ومن حكاياته اللطيفة التي سمعتُها مِنْ لفظه: ما حكاه لنا عن الشَّريف البدر النَّسَّابة عم الذي أخذنا عنه، وكان مِنْ جماعته، أنَّه كان شيخ البيبرسية وناظرها، فرافع فيه الصُّوفية إلى السُّلطان، فبرز أمرُهُ بالتوجُّه لقاضي الشرع، فحضر إليه القاصدُ، فاعتذر ابن أخيه بضعفه، فلم يقل منه ذلك، وألزموه بإخراجه ومجيئه لمجلس الشرع، فحملوه، فلما جاء (١) وقع مغشيًّا عليه، فرش عليه ماء الورد، فما (٢) أفاق، فقال القاضي للصُّوفية: أنتم تدَّعُون أنَّه لا يُنفق عليكم، فهو يعتذر عَن ذلك بماذا؟ فقالوا: يدَّعي العمارة، فقال لهم: أليس هو شيخ المكان؟ قالوا نعم، فقال لهم: أليس شرطُ الواقف أن يكون الشَّيخُ ناظرًا؟ قالوا: نعم، فقال لهم: إنَّ الناظر يتصرَّف كيف شاء، ولا حُكْمَ لكم عليه، فقام الشَّريف حينئذٍ سريعًا، وقال: باللَّه يا مولانا قاضي القُضاة [قل لهم] (٣)، فكانت مِنَ اللَّطائف، وسمع الدَّعوى عليه.

ونحو ذلك ما حكاه أيضًا عن مَنِ ادُّعِيَ عليه بمسطور، فجحد أن يكون هذا هو المكتب عليه المسطور، فتغافل القاضي عَنِ المدَّعى عليه معظمَ النَّهار، ثم نادى: يا فلان، للاسم المكتوب في المسطور الذي أنكره المدَّعى عليه، فبادر إلى الجواب غفلةً منه، فقال للمدَّعي: قم فادَّع عليه.

قلت: وقد بلغنا عن القاضي بكَّار أنَّه دخل عليه بعضُ أُمنائه (٤) وهو مخرَّقُ الثِّياب، فقال له: بعثتني لأحفظ تركة فلان، فصنع بي جارُه هذا، فأمر بإحضاره، فأحضر، فقال له: أنت صنعت هذا بأميني؟ قال: نعم، فقال للأعوان: خُذوه، فأخذوه فسقط ميتًا، فدهِشَ القاضي، فقال له أمناؤه، لا تخف، فقد مات اليوم هكذا مرَّتين! فاستوى الرَّجُلُ جالسًا، وقال: كذبوا


(١) "جاء" ساقطة مِنْ (ب).
(٢) في (أ): "فلما".
(٣) ما بين حاصرتين ساقط مِنْ (أ)، وفي (ب): "قل له".
(٤) في (ب): "أبنائه".