ثلاثٍ: إما أن أسلم ولى ما في يديَّ من ملكى، وإما أن أؤدى الخراج، وإما أن آذن بحربٍ، وقد تجدون فيما تقرؤون من كتبكم أنه سيملك ما تحت قدميَّ من ملكى! فنخروا نخرةً حتى إن بعضهم خرجوا من برانسهم، وقالوا: ترسل إلى رجلٍ من العرب، جاء في برديه ونعليه بالخراج؟! فقال: اسكتوا إنما أردت أن أعلم تمسككم بدينكم ورغبتكم فيه، ثم قال: ابتغوا لى رجلا من العرب، فجاؤوا بى، فكتب معى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كتابًا، وقال لى: انظر ما سقط عنك من قوله، فلا يسقط عند ذكر الليل والنهار، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مع أصحابه، وهم محتبون بحمائل سيوفهم حول بئر تبوك، فقلت: أيكم محمدٌ؟ فأومأ بيده إلى نفسه، فدفعت إليه الكتاب، فدفعه إلى رجلٍ إلى جنبه، فقلت: من هذا؟ فقالوا: معاوية بن أبى سفيان، فقرأه فإذا فيه: كتبت تدعونى إلى جنة عرضها السموات والأرض، فأين النار إذًا؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا سُبْحَانَ الله! إِذًا جَاءَ اللّيْلُ فَأَيْنَ النَّهَارُ؟! " فكتبته عندى، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّكَ رَسُولُ قَوْم، فَإِنّ لَكَ حَقّا، وَلَكِنْ جِئْتَنَا وَنَحْنُ مُرْمِلُونَ"، قال عثمان: أكسوه حلةً صفوريةً! فقال رجلٌ من الأنصار: عليَّ ضيافته. وقال لى قيصر فيما قال: انظر إلى ظهره، فرأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنى أريد النظر إلى ظهره، فألقى ثوبه، عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم في نُغْصِ الكتف، فأقبلت عليه أقبِّله، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنِّي كَتَبْتُ إِلَى النَّجاشِيِّ فَأَحْرَقَ كِتَابِي، واللهَ مُحْرِقُهُ، وَكَتَبْتُ إِلَى كِسْرَى عَظِيم فَارِسَ، فَمَزَّق كِتَابِىَ، وَالله مَمزِّقُهُ، وَكتَبْتُ إِلى قَيْصَرَ فَرَفَعَ كِتَابِىَ، فَلا يَزَالُ النَّاسُ ذكر كلمةً - مَا كَانَ فِي العيْشِ خَيْرٌ".
* * *
= أما صاحبنا في هذا الحديث فشيخ مغمور، قال الحافظ في "التقريب": "مقبول" يعنى عند المتابعة. وقول الذهبى في "الكاشف": "صدوق" تساهل منه تابع فيه ابن حبان في ذكره لسعيد في "الثقات" وماذا يجديه هذا؟!