وكان يرانى قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفنى، فخمرت وجهى بجلبابى، واللَّه ما تكلمت بكلمة، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حين أناخ راحلته، فوطئ على يدها، وقمت فركبتها، فانطلق يقود بى الراحلة، حتى أتينا الجيش وهم نزولٌ، قالت: فهلك من هلك، وكان الذي تولى قبره منهم، الأول عبد الله بن أبيّ بن سلول، قال عروة: أخبرت أنه كان يشاع ويحدّث به عنده، فيقره ويشيعه ويستوشيه، قال إبراهيم: يعنى يستوشيه، قال عروة: إنما لم يسمّ من أهل الإفك إلا مسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحشٍ، في أناس آخرين لا علم لى بهم، غير أنهم عصبةٌ، كما قال الله، وإنَّ كِبْرَ ذلك كان يقال عن عبد الله بن أبيّ بن سلول.
قال قال عروة: كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان بن ثابتٍ، وتقول: إنه الذي قال:
فإن أبى، ووالده، وعرض ... لعرض محمدٍ منكم وقاء
قالت عائشة: فقدمت المدينة فاشتكيت حين قدمت شهرًا، وَالناس يفيضون في قول أصحاب الإفك، لا أشعر بشئٍ من ذلك، وهو يريبنى في وجعى أنى لا أعرف من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللطف الذي كنت أرى حين أشتكى، إنما يدخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيقول:"كَيْفَ تِيكمْ؟ " وينصرف، فذلك الذي يريبنى، ولا أشعر حتى خرجت [بعدما] نقهت، فخرجت مع أم مسطحٍ قبل المناصع، وكان متبرزنا، أمْرنا أمر العرب الأول في التنزيه، قبل الغائط، كنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا، قالت: فانطلقت أنا، وأم مسطحٍ، وهى بنت أبى رهم بن المطلب بن عبد منافٍ، وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبى بكرٍ الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن عبدًا لمطلب، فأقبلت أنا وأم مسطحٍ قبل بيتى حين فرغنا من شأننا، فعثرتْ أم مسطحٍ في مرطها، فقالت: تعس مسطحٌ! فقلت لها: بئس ما قلت! أتسبين رجلًا شهد بدرًا؟ قالت: أبى هنتاه! أو لم تسمعى ما قال؟ قلت: وما قال؟ فأخبرتنى بقول أهل الإفك. قالت: فازددت مرضًا على مرضى، فلما رجعت إلى بيتى، دخل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال:"كَيْفَ تِيكُمْ؟ " فقلت: ائذن لى آت أبوى، قالت: وأنا أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما، فأذن لى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتيتهما، فقلت لأمى: يا أمتاه، ماذا يتحدث الناس؟ قالت: هونى عليك، فواللَّه، لقلما كانت امرأةٌ قط وضيئةٌ عند زوجها،