وقال الترمذى: (هذا حديث حسن صحيح) ثم ذكر رواية معمر فقال: (هو حديث غير محفوظ) ونقل عن البخارى أنه قال: "هذا خطأ، خطأ فيه معمر، والصحيح حديث الزهرى عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة" ونقل عنه في "العلل" [ص ١٨٤]، أنه قال أيضًا: "وحديث معمر عن الزهرى عن ابن المسيب عن أبى هريرة، وهم فيه معمر، ليس له أصل" يعنى من حديث أبى هريرة، إنما هو من حديث ابن عباس عن ميمونة كما مضى. وهذا الذي جزم أبو حاتم في "العلل" [رقم ١٥٠٧]، والترمذى وجماعة كما سبق؛ وخالف فيه بعض الأئمة، فجزموا بكون الوجهين محفوظين عن الزهرى، تارة كان يرويه عن (عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة) وتارة كان يرويه عن (سعيد عن أبى هريرة) جزم بذلك: الحافظ الذهلى في (الزهريات) وابن حبان في "صحيحه" وقبلهما الإمام أحمد أيضًا، كما حكاه عنه ابن رجب في "شرح العلل"، واختار ذلك بعض المتأخرين ونصروه، والصواب الأظهر: هو الأول الذي جزم به البخارى ومن تبعه كما شرحنا ذلك مع دلائله في "غرس الأشجار". والثانى: أن معمرًا خولف في متنه، من حيث التفريق بين الجامد اليابس والذائب المائع من السمن، خالفه في ذلك مالك وابن عيينة وغيرهما من الكبار، فكلهم رووه عن الزهرى فلم يذكروا هذا التفريق أصلًا. نعم: قد توبع معمر عن الزهرى على هذا التفريق، إلا أن القول قول مالك ومن تابعه، ومالك وحده: أثبت أهل الدنيا في ابن شهاب على التحقيق، فكيف وقد تابعه على ذلك أبو محمد الهلالى وغيره؟! بل ثبت عن الزهرى نفسه من فتياه وقوله؛ ما يبعد معه جدًّا، أن يكون قد روى مثل هذا التفريق في رواية معمر وغيره عنه. وقد تجلَّد جماعة في تصحيح رواية التفريق عن الزهرى، وتعلقوا بأشياء لا متعلق لهم فيها إن شاء الله، وقد نقضنا غزلهم في "غرس الأشجار" مع استيفاء تخريج هذا الحديث وطرقه وألفاظه؛ واختلاف أصحاب الزهرى عليه متنًا وإسنادًا، ومع مناقشة وغربلة كلام جماعة ممن صححوا الحديث هنا مثل لفظ المؤلف وسنده، وخلصنا من كل هذا: إلى أن المحفوظ في هذا الحديث سندًا ومتنًا: هو ما رواه مالك وابن عيينة وعامة أصحاب الزهري عنه ... فانظر رواية ابن عيينة الآتية [برقم ٧٠٧٨].