والذى يبدو: أن البخارى لم يفطن إلى ما فطن إليه غيره من الانقطاع بين قتادة وأبى رافع، وغره تلك الرواية التى ساقها في "صحيحه" من طريق سليمان التيمى عن قتادة أن أبا رافع حدثه، وهو مأجور على كل حال، إذ إنه غير مكلف بمعرفة كل دقائق هذا الفن، ولا هو في استطاعته أصلًا، والإمام أحمد: أدق منه نظرًا في معرفة علل المتون والأسانيد، وإن كان البخارى في هذا الشأن: عَلَمًا مُفَرَدًا لا يشق له غبار، ولكن: (فوق كل ذى علم عليم). فإن قيل: قد صرح ابن أبى عروبة عن قتادة بسماعه من أبى رافع أيضًا، في هذا الحديث كما أخرجه أحمد. قلنا: وهذا لا يثبت أيضًا، إنما هو من أوهام بعضهم! كما مضى الكلام عليه مفصلًا فيما سبق. فإن قيل: قد وقع عند ابن ماجه في هذا الحديث من طريق قتادة قال: (حدثنا أبو رافع). قلنا: هذا شبه لا شئ، إنما هو من تصرفات الطابعين والقائمين على نشر "سنن ابن ماجه"، وتبعهم عليه من جهد في طبع الكتاب اعتمادًا عليهم، دون مقابلة على أصول صحيحة لإخراجه، وقد سبق أن الإمام المعلمى اليمانى: قد وقف على خمس نسخ مخطوطة من "سنن ابن ماجه" في (مكتبة الحرم الكى) ليس فيهن ذلك السماع الزائف، إنما وقع فيها: (عن قتادة قال: حدَّث أبو رافع) وهكذا نقله ابن كثير في "تفسيره" وفى "البداية والنهاية" [٢/ ١١٢]، أيضًا، فقال في الأول: "وكذا رواه ابن ماجه عن أزهر بن مروان عن عبد الأعلى عن سعيد بن أبى عروبة قال: حدَّث أبو رافع. . ." وهكذا رأيت الحافظ قد نقل إسناد ابن ماجه في "الفتح" [١٣/ ١٠٩]، فقال: "وأخرجه ابن ماجه من طريق سعيد بن أبى عروبة عن قتادة قال: حدَّث أبو رافع" فلله الحمد. فإن قيل: لو وافقناكم على كون قتادة لم يسمع من أبى رافع شيئًا، للزمكم تصحيح روايته عنه مع الإقرار بالانقطاع، لكونكم قد نقلتم عن الإمام أحمد وغيره: أن قتادة إنما يروى حديث أبى رافع بواسطة خلاس بن عمرو والحسن البصرى، وكلاهما ثقة إمام، فإذا علمنا عدالة الواسطة بين قتادة وأبى رافع، وجب تصحيح روايته عنه، مع الاعتراف بعدم سماعه منه. =