الصحاح كما تقدم أن جبريل كان يعلمه بهم أولًا ليسلم عليهم سلام معرفة. وفيه: أنه اجتمع بالأنبياء -عليهم السلام- قبل دخوله المسجد الأقصى، والصحيح أنه إنما اجتمع بهم في السموات ثم نزل إلى بيت المقدس ثانيًا وهم معه، وصلى بهم فيه ثم ركب البراق وكرّ راجعًا إلى مكة. ثم ذكر رواية ابن مسعود من طريق أخرى عند الإِمام أحمد. قلت: وهذا الذي صححه وجزم به من كونهم نزلوا معه وصلى بهم في بيت المقدس؛ مخالف لما في أكثر الروايات من أنه صلى بهم عند قدومه إلى بيت المقدس، وحجته في ذلك أنه كان يسأل جبريل عنهم وهم في السموات، فلو كان صلى بهم في بيت المقدس لما احتاج إلى السؤال عنهم، وهذا لا يلزم لأنه قد يكون صلى بهم ولم يتعرف عليهم، والله أعلم.
• اللغة والإعراب والمعنى
قوله:(وهي في السماء السادسة) وقد تقدم في رواية أنس أنها في السماء السابعة. قال القرطبي: ظاهر حديث أنس أنها في السابعة، لقوله بعد ذكر السماء السابعة:(ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى)، وفي حديث ابن مسعود أنها في السماء السادسة. وهذا تعارض لا شك فيه، وحديث أنس هو قول الأكثر، وهو الذي يقتضيه وصفها بأنها التي ينتهي إليها علم كل نبي مرسل وكل ملك مقرّب على ما قال كعب، وما خلفها غيب لا يعلمه إلَّا الله أو من أعلمه الله. قال ابن حجر: ولم يعرج على الجمع بل جزم بالتعارض. قلت: ولا يعارض قوله: إنها في السماء السادسة؛ ما دلت عليه بقية الأخبار أنه وصل إليها بعد أن دخل السماء السابعة، لأنه يحمل على أن أصلها في السماء السادسة وفروعها وأغصانها في السماء السابعة. قلت: ويعكر عليه ما تقدم من أنه رأى الأنهار تخرج من أصلها فإن ظاهر السياق أن أصلها في السماء السابعة والله أعلم.
وهذه الرواية التي ذكرها المصنف عن ابن مسعود؛ مثلها في صحيح مسلم، وفيها بيان سبب تسميتها سدرة المنتهى، ففي رواية مسلم: إليها ينتهي ما يعرج من الأرض فيقبض منها، وإليها ينتهي ما يهبط فيقبض منها. وقال النووي: سميت سدرة المنتهى لأن علم الملائكة ينتهي إليها، ولم يجاوزها أحد إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورواية المصنف: إليها ينتهي ما عرج به من تحتها،