ثم ذكر القول الخامس: وهو أنه لا بأس أن يتطهر كل واحد منهما بفضل طهور صاحبه، شرعا جميعًا أو خلا كل واحد منهما به، قال: وعلى هذا القول فقهاء الأمصار وجمهور العلماء. قال: والآثار في معناه متواترة، ثم ذكر حديث ابن عباس:"أن امرأة من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - اغتسلت من الجنابة، فأراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يغتسل بفضلها فأخبرته أنها اغتسلت منه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: الماء لا ينجسه شيء"، وذكر أنه روي عن ابن عباس من طرق كثيرة، ومنهم من يجعله عن ابن عباس عن ميمونة، ثم ذكر عدة آثار ومنها قول ابن عباس:"لا بأس أن تتوضأ بفضلها وتتوضأ بفضلك" وكان يقول: هن ألطف بنانًا وأطيب ريحًا. فتحصل من هذا أن الجمهور على الجواز من غير كراهة، ويبقى النظر في توجيه أحاديث النهي عن ذلك، وأقرب الأوجه في ذلك أنها معارضة بما هو أقوى منها وأكثر طرقًا, لأن القول بالنسخ متعذر لوجود الرواية عن متأخر الإِسلام من الصحابة بالنهي، مع أن ابن عباس روايته متأخرة لأن إسلامه عام الفتح بعد إسلام أبي هريرة، وقد تقدّم الكلام في هذا في حديث ابن عمر رقم (٧١) في الوضوء، إلا أن صنيع المصنف يدل على أنه يرى النسخ لأنه بوّب بعد هذا الحديث للرخصة في ذلك، فكأن العنوان يفهم منه النسخ وإن كان غير صريح فيه، وأيضًا فإن الأصل في الماء الطهارة حتى يثبت خلافها ثبوتًا سالمًا من القدح فيه.