وقوله:(حتى اصفرت ألوانهم وعظمت بطونهم) أي لعدم ملاءمة هوائها لهم، وهذا دليل على أنهم مرضوا كما دل عليه في الرواية الأولى:"فلما صحوا".
وقوله:(إلى لقاح له) يحتمل أنها كانت خاصة به ولكنها ترعى مع إبل الصدقة، فلهذا جاء في بعض الروايات "أنهم خرجوا إلى إبل الصدقة" لإجتماع اللقاح معها في مكان واحد. هذا عندي والله أعلم ضعيف لأنه لم يثبت أنه تأثل إبلًا حتى تكون له خاصة به، ولكنها -وهو الإحتمال الأقوى- كانت من إبل الصدقة، وإضافتها للنبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه الذي يلي أمرها ويوزعها على الناس عند الحاجة والنظر في مصلحتها إليه، والحامل على هذا التأويل أنه لم تكن له إبل معروفة كما تقدم، إلا ما ورد في هذا الخبر من نسبة اللقاح إليه. واللقاح جمع لقحة بكسر اللام وهي التي تكون قريبة عهد بالولادة.
وبقية الألفاظ قد تقدم في الرواية الأولى، وقول عبد الملك وهو ابن مروان لأنس بن مالك: بكفر أم بذنب؟ على طريق الإستفهام، فحذف همزة الإستفهام وحذفها جائز إذا كان المعنى ظاهرًا لا يخفى بحذفها أي: أكان قتلهم بسبب الكفر والردة أم بالذنب الذي ارتكبوه؟ وقوله:(بكفر) أي بسبب كفرهم، وإنما قال ذلك لأنه اجتمع فيهم موجبات للقتل: الكفر وقتل النفس والخروج على المسلمين، وأعظم هذه الأسباب الكفر. وسيأتي الكلام على بقية حكم الخروج على الإِمام في شرح الآية آخر الكتاب إن شاء الله.
وقد أشار أبو عبد الرحمن النسائي إلى أن هذه الرواية المحفوظ فيها أنها مرسلة من مراسيل سعيد بن المسيب، وأن ذكر يحيى بن سعيد فيها انفرد به يحيى بن مصرف، وهذا لا يقدح في الحديث فإنه ثابت من غير هذا الوجه من عدة طرق متفق على صحته، كما تقدم في تخريج الرواية الأولى مع أن يحيى بن مصرف ثقة كما تقدم، فلا يقدح تفرده بالرواية.
١٩٢ - باب فَرْثِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ يُصِيبُ الثَّوْبَ