يخصف النعال كان ذلك مكروهًا وذكر ما حاصله قياس البيع والشراء المنصوص على النهي عنهما على شيء المرفوع منه لا دليل فيه لأنه ليس فيه التصريح بأنه في المسجد وغير المرفوع من التفرقة على ما فرضه هو -رحمه الله- ولا يخفى ما في ذلك فلو كان أصل هذا القياس من التفرقة مرفوعًا لكان مصاد ما للنص فكيف وحاله ما ذكرناه.
قوله:(نهى عن تناشد الأشعار) حمله الجمهور على الشعر المذموم المتضمن لهجاء الناس، وقذف المحصنات، ونحو ذلك مما لا خير فيه، لأن الأدلة ثبتت بإنشاده في المسجد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعد وفاته في عهد الصحابة، ولما تقرر في الشرع من أن الأدلة الواردة في ذم الشعر والواردة في قوله وإنشاده عنده -عليه الصلاة والسلام- ومن أصحابه -رضي الله عنهم- يجمع بينهما بالتفرقة المذكورة، ويجعله كسائر الكلام حسنه حسن، وقبيحه قبيح وقد قال - صلى الله عليه وسلم - لحسان في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن حسانًا بن ثابت - رضي الله عنه - قال له: أنشدك الله أسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:(اللهم أيّده بروح القدس؟ قال: اللهم نعم) وذلك لما مرَّ عليه عمر - رضي الله عنه - وهو ينشد في المسجد فلحظ إليه فقال: كنت أنشد وفيه خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة. . . فذكر الحديث.
ودخل مكة - صلى الله عليه وسلم - في عمرة القضاء، وابن رواحة آخذ بخطام ناقته وهو ينشد:
خلوا بني الكفار عن سبيله ... اليوم نضربكم على تأويله
كما ضربناكم على تنزيله ... يا رب إني مؤمن بقيله
فقال له عمر: يابن رواحة أفي حرم الله وبين يدي رسول الله تنشد الشعر؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر:"دعه، فوالذي نفسي بيده لهو أشد عليهم من رشق النبل".