للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في حكم تارك الصلاة تكاسلًا مع الإقرار بوجوبها، واختلفوا في عقوبته، فذهب الجمهور ومنهم مالك والشافعي ورواية عن أحمد إلى أنه لا يخرج من الملة بذلك، ولكنه إن لم يصلّ قتل بالسيف حدًا كقتل الزاني المحصن وقتل القود. واستدلوا بأدلة: منها قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}، وبحديث عبادة بن الصامت السابق: (ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه)، ويشهد له أحاديث الشفاعة في خروج من مات على الشهادة من النار. واستدلوا على وجوب قتله بقوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}، فشرط في تخلية سبيلهم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، وحديث ابن عمر: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم) الحديث وهو متفق عليه، وحملوا الأحاديث المصرحة باسم الكفر على أن المراد: إما ترك المستحل وهو محل اتفاق لما قدمنا، أو أن المراد الكفر الذي لا يخرج من الملة، أو أنه فعل الفعل أو استحق عقوبة الكافر التي هي القتل. وذهب الإِمام أحمد في الرواية الأخرى وحكي وجهًا لأصحاب الشافعي ويروى عن علي وبه قال ابن المبارك وإسحاق بن راهويه؛ إلى أنه كافر وقتله لكفره، ومال الشوكاني إلى القول بكفره حسب ظاهر الحديث، ولكن كلامه يدل على أنه كفر المعاصي الموجب للفسق دون الخروج من الملة، فإنه قال: (والحق أنه كافر يقتل، فإن الأحاديث قد صحت في أن الشارع سمى تارك الصلاة بذلك الاسم، وجعل الحائل بين الرجل وبين إطلاق هذا الاسم عليه هو الصلاة، فتركها مقتضٍ لجواز الإطلاق، ولا يلزمنا شيء من المعارضات التي ذكرها الأولون، لأنا نقول: لا يمنع أن يكون بعض أنواع الكفر غير مانع من المغفرة واستحقاق الشفاعة، ككفر أهل القبلة ببعض الذنوب التي سماها الشارع كفرًا) اهـ. المراد منه. وذهب أبو حنيفة والمزني صاحب الشافعي وجماعة من أهل الكوفة؛ إلى أنه لا يكفر ولا يقتل بل يحبس ويعزر حتى يصلي، واحتجوا لعدم القول بكفره بحديث: "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث" الحديث، وهو مفهوم والمنطوق يقدم عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>