رجل من قيس يقال له: ابن المنتفق وهو يقول: وصف لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكر القصة إلى قوله:(فأخذت بخطام ناقته فما غيّر علي فقلت: شيئين أسألك عنهما: ما ينجيني من النار وما يدخلني الجنة؟ ) وذكر الحديث. هكذا نقله ابن حجر لاحتمال أن تكون واحدة، والسائل المبهم هناك هو ابن المنتفق وهذا جائز، وجائز أيضًا تكرار القصة كما تقدم مرة أو مرتين. فعلى فرض اتحاد القصة فيكون المبهم فيها كلها هو ابن المنتفق، وعلى فرض التعدد يجوز أن يكون أبو أيوب سأل وابن المنتفق هو الأعرابي في حديث أبي هريرة، كما يجوز أن يكون أعرابيًا آخر سأل مثل سؤالهما والله أعلم: وقوله: (يدخلني الجنة) الجملة صفة لـ (عمل)، وفيها إسناد إدخال الجنة للعمل وقد ثبت الحديث بأنه ليس يدخل أحد عمله الجنة، ولا تعارض لأن الإسناد إلى السبب في مثل هذا جائز، والعمل الصالح سبب رضاء الله الموصل إلى دخول الجنة، قال تعالى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢)} فالمعنى: بعمل إذا عملته يرضي الله عني فيدخلني الجنة. (فقال - صلى الله عليه وسلم -: تعبد الله ولا تشرك به شيئًا) أي توحّده، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} فالمعنى: تفرّد الله بالعبادة دون من سواه لأن العرب كانوا يعبدون الأوثان ويدعونها شركاء لله، فلهذا كان أول ما ينبغي أن يرشدوا إليه بطلان عملهم الذي أشركوا فيه مع الله غيره، وقوله:(شيئًا) نكرة في سياق النفي فهي تعم، فلا يلاحظ العبد في الطاعة غير جانب الله وإلا كان مشركًا فيها، ولهذا سمى النبي - صلى الله عليه وسلم - الرياء الشرك الخفي والشرك الأصغر. وقوله:(تعبد الله) إما أن يكون الفعل هنا بمعنى المصدر كأنه قال: عبادة الله، أو يكون المضارع هنا بمعنى الأمر، (ولا تشرك) يحتمل التوكيد ويحتمل التفسير لقوله: (تعبد الله). وقوله:(وتقيم الصلاة) أي تداوم على فعلها كاملة مع مراعاة شروطها وآدابها. وإقامة الشيء: فعله على الوجه الأكمل، وقد جاء في الحديث: فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة. وقوله:(وتؤتي الزكاة) أي تخرجها في وقت وجوبها على الوجه المطلوب شرعًا، كما سيأتي بيانه إن شاء الله. وقوله:(وتصل الرحم) صلة الرحم: الإحسان إلى من بينك وبينه قرابة، وتتفاوت بتفاوت أحوال القرابة، فأعظمها وأهمها بر الوالدين أحياء وأمواتًا، ثم ما دون ذلك على