وللطيالسي:"لأمرتهم بالوضوء لكل صلاة، ومع كل وضوء سواك"، وفي الموطأ:"لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك" بدون زيادة. وقال بعضهم: إن هذا الحديث أصله حسن لذاته، لكن لكثرة طرقه صار صحيحًا لغيره، وقد مثّل به صاحب طلعة الأنوار، فقال في الحسن لذاته والحسن لغيره:
وآخر القسمين دون الأول ... والأول الصحيح عنه معتل
ما لم يك الأول صاحب طرق ... وإن يكن صح كلولا أن أشق
• اللغة والإعراب والمعنى
(لولا) حرف يدل على امتناع الأمر الثاني لوجود الأمر الأول، ويقول المعربون: حرف امتناع لوجود، أي امتناع وجود شيء لوجود شيء آخر، قيل: أصلها "لو" التي تدل على الامتناع، اتصلت بها لا النافية، وهي من حروف الابتداء، والمبتدأ بعدها الغالب فيه أن يحذف خبره، كما قال ابن مالك -رحمه الله-:
وبعد لولا غالبًا حذف الخبر ... حتم وفي نص يمين ذا استقر
قوله:(أن أشق) في محل رفع لأنه مؤول بمصدر وهو المبتدأ، أي: لولا المشقة موجودة أو توجد أو تحصل أو حاصلة لأمرتهم، فالممتنع هنا الأمر، والموجود: خوف المشقة المقدّرة عند حصول الأمر لو حصل، والمشقة: كل ما يشق على النفس ويثقل عليها، والمراد بالأمة: أمة الإجابة، وقوله:(مع كل صلاة) وعند كل صلاة معناهما واحد لأنهما ظرفان، المراد بكل منهما: وقت فعل الصلاة أي إرادة فعلها، وكذلك رواية:"مع كل وضوء" لأن الغالب فعل الوضوء للصلاة، فإن توضأ لغيرها فالغالب أنه يصلّي.
• الأحكام والفوائد
والحديث يدلّ على استحباب السواك في الحالين: حال القيام للصلاة، ولو كان متوضئًا، وحال الوضوء ولو لم يرد الصلاة. والأمر الممتنع هو المقتضي الوجوب، لأن الأمر حصل بالفعل منه - صلى الله عليه وسلم -، ولكنه للندب لا للوجوب، ويدل عليه رواية العباس السابقة:"لفرضت عليهم السواك"، وفيه حجة للجمهور على عدم وجوبه كما تقدم، وفيه بيان كمال شفقته - صلى الله عليه وسلم - على أمته ورأفته بهم، وفيه ترك الأمر بما ينبغي فعله خشية حصول مفسدة تترتب عليه،