فلما رأينا أنه عاتم القرى ... بخيل ذكرنا ليلة الهضم كردما
وعتم الليل وأعتم: ذهب منه قطع، والمراد هنا: أنه تأخر عن فعلها في الوقت الذي كان يفعلها فيه عادة، وقوله:(بالعشاء) أي: تأخر بفعل الصلاة، والعشاء اسم لها كما قال إن اسمها في كتاب: العشاء، وهو اسم الظرف الذي تفعل فيه كسائر أوقات الصلاة. وقوله:(حتى) حرف يدل على الغاية هنا، (وناداه) أي نادى عمر النبي - صلى الله عليه وسلم - قائلًا له: نام النساء والصبيان، وفي الروايات الأخرى:(الصلاة يا رسول الله) بنصب الصلاة على الإغراء، على تقدير فعل محذوف. والمراد بالنساء: يحتمل أنهن اللاتي في المسجد ينتظرن الصلاة وهو المتبادر للذهن، ويحتمل أن يكون المراد مَن في البيوت؛ لأنهن ينتظرن رجوع الرجال من الصلاة بالعشاء، فيشق عليهن تأخيرهم عنهن وربما رقدن. وقوله:(فخرج) الفاء تحتمل العطف والسببية، وخروجه كان من بيته لأنه ملاصق للمسجد، وفي رواية:(ورأسه يقطر). وقوله:(إنه ليس أحد) أي من جميع من ينتظر هذه الصلاة غيركم، لأن الإِسلام إذ ذاك إنما هو بالمدينة كما قالت عائشة -رضي الله عنها-، ولم يكن يومئذٍ أحد يصلي غير أهل المدينة، أي: بصفة عامة وفي جماعة، فقد كان بعض المستضعفين إذ ذاك بمكة وكان بعض المهاجرين عند النجاشي بالحبشة. ويحتمل أن القائل لم يكن أحد غير عائشة من الرواة كالزهري أو عروة، ولهذا جاء في رواية البخاري بلفظ قال: الصادق بأن القائل الراوي عائشة أو غيرها.
• الأحكام والفوائد
الحديث فيه دليل على جواز تأخير العشاء، بل هو مستحب عند الجمهور لما في بعض الروايات: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي أو على الناس. وفيه دليل على أن عادة النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يصليها في أول وقتها خشية المشقة على الناس، ولهذا جاء في رواية البخاري: كانوا يصلونها فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل، وفيه: تنبيه الإِمام في مسائل العبادات وغيرها من مصالح المسلمين، وفيه: كرم خلق النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه: دليل على أن النوم الخفيف لا ينقض الوضوء، وقد تقدم ذلك في الطهارة، ومن نفى النقض بالنوم مطلقًا لم يقيده بالخفيف، وفيه: دليل على أن المراد بالنساء والصبيان: من