النزول، أي على أنه بعدما نزل صلى، لأن نزوله في هذا الوقت كان لبيان الصلاة بعد دخولها. وظاهره أن جبريل صلى بالفعل وصلى بعده النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحمله بعضهم على المجاز وأن جبريل لم يصل، وإنما كان يعلم الصلاة بالإشارة ونحوها، ولا يخفى ما فيه. وتقدم أنه جاء في بعض الروايات: أمَّني، وهو ظاهر في أنه صلى إماما به، ولا شرع ولا عقل يحمل التأويل لعدم المانع في ذلك، وإنما الحامل عليه أن بعضهم استدل به على جواز صلاة المفترض خلف المتنفل، وحكم بأن صلاة جبريل كانت نافلة عليه. وكونها نافلة عليه يحتاج إلى دليل، وليت شعري من أين علم هذا القائل أنها نافلة؟ ومعلوم أنه لم ينزل ويفعل هذا الفعل إلا بأمر الله، وإذا أمر به فقد وجب عليه. وقد تقدم (٤٩١) في حديث بشير بن أبي مسعود عن أبيه أنه قال -أعني جبريل: بهذا أمرت، وأنه رُوي بفتح التاء على أن المأمور النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبضمها على أن المأمور جبريل. والتحقيق أن كل منهما مأمور وفاعل لما أمر به، وقد قال جبريل: وما نتنزل إلا بأمر ربك، وفي بعض الروايات عن ابن عباس وغيره أنه ائتم به والناس يأتمون بالنبي - صلى الله عليه وسلم -. فقوله:(فصلى الفجر) في هذه الرواية أن أول صلاة صلاها الفجر. وفي الروايات الأخر أنها الظهر وبذلك سميت الأولى، وبنى عليه بعضهم تعليل البداءة بها لأنها أشهر، والتعليم فيها أظهر من صلاة الفجر لأن الغالب على الناس الغفلة. قال ابن عبد البر -رحمه الله-: كانت إمامة جبريل له - صلى الله عليه وسلم - في اليوم الذي يلي ليلة الإسراء، فقد أخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قال نافع بن جبير وغيره: لما أصبح النبي - صلى الله عليه وسلم - من الليلة التي أسري به فيها؛ لم يرعه إلا جبريل نزل حين زاغت الشمس، فأمر فَصِيحَ بأصحابه: الصلاة جامعة؛ فاجتمعوا فصلى جبريل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالناس، وطول الركعتين الأوليين ثم قصر الباقيتين، وهذا يدل على أن ذلك صبيحة الإسراء، وأن أول صلاة وقع بها البيان صلاة الظهر. وكذا روى ابن إسحاق في المغازي عن نافع بن جبير وهو عندهما -أي عند عبد الرزاق وابن إسحاق- مرسل، ولكنه في أبي داود منه رواية نافع بن جبير عن ابن عباس، وإن كان في المذكور زيادة فالظاهر أن الساقط فيه هو ابن عباس، كما في الروايات الأخرى عند أبي داود وغيره.