للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثالث: أنه سنة في الذكور ومكرمة في النساء، أو واجب في الذكور.

فذهب مالك في المشهور عنه وأكثر أهل العلم إلى أنه سنة وليس بواجب، وهو قول لبعض الشافعية وقول الحنفية ورواية عن أحمد.

وذهب الشافعي في المشهور عنه إلى الوجوب، وهو رواية لبعض المالكية وبعض الحنابلة وقول لأبي حنيفة، لكن على أصله في التفرقة بين الواجب والفرض.

وأما القول بالتفرقة فهو مروي عن الشافعي وعن أحمد كذلك.

واحتج القائلون بأنه سنة بحديث يروى من حديث الحجاج بن أرطأة وفيه: (الختان سنة في الرجال مكرمة في النساء) وأعل بالاضطراب وعدم الاحتجاج برواية حجاج بن أرطأة، والحديث أخرجه أحمد والبيهقي، ومن وجه آخر ضعفه البيهقي وقال: (لا يصح رفعه)، رواه الطبراني في الكبير والبيهقي.

وأما القائلون بالوجوب فأكبر حجتهم أن إبراهيم اختتن بالقدوم، وفي رواية لأبي هريرة: "وهو ابن ثمانين سنة"، وقد أمرنا الله باتباعه في قوله: {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} ولأنه يختتن الكبير والنظر إلى عورته حرام، فلو لم يكن الختان واجبًا لما جاز ذلك، وبقول ابن عباس إن هذه الخصال العشر التي ورد أنها خصال الفطرة هي التي ابتلي بها إبراهيم فأتمها، ولا يناسب الابتلاء إلا التكليف بالواجب، ولأن الجلدة بقاؤها يبقي النجاسة في المحل. قلت: وهذا كله ليس فيه مقنع في الحجة: أما اختتان إبراهيم وأمرنا باتباعه فهو لا يصلح دليلًا على الوجوب في أفراد المتَّبع فيه، بل يكون فيه واجب وغير واجب، كما هو الشأن في اتباعنا لمحمد - صلى الله عليه وسلم - فإنا نتبعه في الواجب وغيره، وأما اختتان الخليل فلا يصلح حجة للاحتمال المذكور من أنه إنما فعله استنانا. وأما كونه من العشر ففي الخصال العشر التي أتمها الخليل ما هو غير واجب اتفاقًا كالسواك فقد تقدم حكمه، وكذلك قص الأظفار ونتف الإبط والمضمضة والاستنشاق عند الأكثرين، فهذه الأمور التي استدلوا بها كلها أعم من موضوع النزاع، وإذا كان الدليل أعم من موضوع النزاع فلا يصلح دليلًا يحتج به أحد المتنازعين. وأما بقاء النجاسة فقد يجاب عنه بإعطائه حكم داخل الجسد أو وجوب غسله من تحت الجلدة.

وأما أهل التفرقة بين الأنثى والذكر فلقوله: مكرمة في النساء. والذي يظهر

<<  <  ج: ص:  >  >>