للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

و (أوفوا اللحى) و (فروا اللحى) كلها بصيغة الأمر، ومعناها: تركها وعدم أخذ شيء منها. واللحية: الشعر النابت على عظمي اللحيين، والأصل في صيغة الأمر الوجوب، لاسيما وقد تأكد ذلك بكون الحلق سمة اليهود أو المجوس، ونحن مأمورون بمخالفة الكل. وما روي فيها من حديث عمرو بن شعيب عند الترمذي قال: حدثنا هناد، قال: أخبرنا عمر بن هارون عن أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأخذ من لحيته من طولها وعرضها، قال الترمذي: غريب. قال: وسمعت محمَّد بن إسماعيل -يعني البخاري- يقول: عمر بن هارون مقارب الحديث، ولا أعرف له حديثًا ليس له أصل -أو قال: ينفرد به- إلا هذا الحديث: (كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأخذ من لحيته من عرضها وطولها)، ولا نعرفه إلا من حديث ابن هارون، ورأيته حسن الرأي في عمر بن هارون، قال: وسمعت قتيبة يقول: عمر بن هارون كان صاحب حديث، وكان يقول: الإيمان قول وعمل اهـ. وقال ابن حجر فيه: إنه متروك الحديث، وكان حافظًا من كبار السابعة، مات سنة ٩٤، وقال فيه الذهبي: اتهمه بعضهم. فهذا الحديث معلول، وعلى فرض صحته؛ فالمراد به الأخذ الذي لا ينافي التوفير المأمور به، بل هو محمول على إصلاح الشعر وأخذ ما تطاير منه. ولهذا لم يختلف من وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - في أن لحيته كانت كثَّة، وكان إذا رجَّلها ملأت صدره، وأقرب ما يبيّن حدّ ذلك ما أخرجه البخاري عن ابن عمر -وهو من عرفت حالته في الاتباع- أنه كان يقبض على لحيته فيأخذ منها ما زاد على القبضة؛ لأن طولها المفرط فيه قبح وبشاعة. قيل: إن عادة الفرس قص اللحية، فأمرنا بخلافه. قال القاضي عياض: أما الأخذ من طولها وعرضها فحسن، وتكره الشهرة في تعظيمها كما تكره في قصها وجزّها. وقد اختلف السلف في ذلك: فمنهم من لم يحدّه بحد بل قال: لا يتركها إلى حد الشهرة، ومنهم من حدّها بالقبضة فيؤخذ ما زاد عليها. وكره مالك طولها جدًا، ومنهم من كره الأخذ منها إلا في حج أو عمرة. قلت: فهذا يبيّن أن الأخذ المراد إنما هو تصليح الشعر الذي جرت العادة بأنه يحسنه ويجمله، وبهذا يتبين أن الذي يفعله كثير من الناس الآن من حلقها باسم التقصير، ولا يترك إلَّا سَوادَ أصول الشعر أنه بعيد من السنة بل هو الحلق بعينه، واقتداء بمن

<<  <  ج: ص:  >  >>