للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

"عجب الله من صنعكما، الحديث" يعني أبا طلحة، وقوله: "عجب ربكم من قنوطكم"، كلها فيها إسناد العجب إلى الله. وقد تأوله بعضهم زاعمًا أن العجب مستحيل على الله، وليس بصواب فإن صفات الله -عَزَّ وَجَلَّ- لا تشبه صفات المخلوقين، بل يجب الإيمان بها وردّ علمها إلى الله، ولا يلزم من ذلك تشبيه ولا محظور لأن سبيل الصفات سبيل الذات، فكما أن الإنسان يؤمن بذات الله ولا تشبهها الذوات؛ فكذلك صفاته لا تشبهها الصفات {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} فالحق إثبات ما أثبته الله ورسوله، ونفي ما نفاه الله ورسوله، واعتقاد تنزيه الله تعالى عن مشابهة الحوادث لا في ذاته ولا في صفاته، وهذه طريقة سلف الأمة الصالح: الإيمان بالنصوص ورد علمها إلى الله تعالى. وقوله: (من راعي غنم) الجار والمجرور متعلق بقوله (يعجب)، أي من حاله وفضله عند الله، وقوله: (راعي غنم) لا مفهوم له، لكن لعله أكثر فعلًا لذلك؛ لما جبل عليه أهل الغنم في الغالب من الرقة ولزوم السكينة كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة، و (شظية الجبل) طرفه وناحيته، وقيل: القطعة المرتفعة منه، وجمعها: شظايا كعطية وعطايا. قوله: (يؤذن بالصلاة) أي بوقت دخول الصلاة، وذلك لما تقدم أنه يشهد كل ما بلغ صوته من جماد وغيره والجن والإنس؟ وفي حديث سلمان الذي رواه البيهقي: "ما من رجل يكون بأرض قيّ فيؤذن بحضرة الصلاة ويقيم الصلاة فيصلي؛ إلَّا صف خلفه من الملائكة ما لا يرى قطراه -أي: طرفاه، يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده ويؤمّنون على دعائه"، ومثله لعبد الرزاق عن سلمان الفارسي - رضي الله عنه -. والقِيّ بكسر القاف وتشديد الياء المثناة من تحت: الأرض الفلاة، وهذا يدل على أن شظية الجبل لا مفهوم لها، بل المراد كونه يرعى في الخلاء لما في ذلك من الإخلاص والبعد عن الرياء. وقوله: (فيقول الله -عز وجل-) الفاء تحتمل السببية والعطف، أي: يقول لملائكته على سبيل التنويه بهذا العبد وفعله في الخلاء. قوله: (انظروا إلى عبدي) إلخ هذا وجه التنويه: أنه فعل هذا الفعل على حالة تدل على كمال الإخلاص والبعد عن الرياء، والإضافة في مثل للتشريف وتعظيم شأنه، وقوله: (قد غفرت لعبدي) أي ذنوبه، فحذف المفعول لدلالة المقام عليه، (وأدخلته الجنة) أي: أوجبت له دخول الجنة يوم القيامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>