قال العيني:(هذا تمثيل لحال الشيطان عند هروبه من سماع الأذان حال من طَرَقهُ أمرٌ عظيم واعتراه خطب جسيم، حتى لم يزل يحصل له الضراط من شدة ما هو فيه، لأن الواقع في شدة عظيمة من خوف أو غيره؛ تسترخي مفاصله ولا يقدر على إمساك نفسه، فينفتح منه مخرج البول والغائط، ولما كان الشيطان لعنه الله تعتريه شدة عظيمة وداهية جسيمة عند النداء للصلاة فيهرب حتى لا يسمع الأذان؛ شبّه حاله بحال ذلك الرجل، وأثبت له على وجه الادعاء الضراط الذي ينشأ من كمال الخوف الشديد. وفي الحقيقة ما ثم له ضراط، ولكن يجوز أن يكون له ريح؛ لأنه روح ولكن لم تعرف كيفيته). اهـ كلامه ومثله ما حكاه عن الطيبي قال:(شبّه شغل شيطان نفسه عند سماع الأذان؛ بالصوت الذي يملأ السمع ويمنعه عن سماع غيره، ثم سماه ضراطًا تقبيحًا له). اهـ قلت: وهذا منهما رحمهما الله عجبًا، وأي مانع عقلًا أو شرعًا من أن يكون الأمر على ظاهره، وما الداعي لصرف قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن ظاهره؟ بل الواجب حمله على ظاهره وأنه يدبر وله ضراط كما قال - صلى الله عليه وسلم -، ويحتمل أن يكون ذلك يحصل له من شدة الانزعاج، وأن يكون يتعمده لئلا يسمع ذكر الله. وقال بعضهم: إنه يفعل ذلك خشية أن يشهد لصاحبه يوم القيامة، وهو غير ظاهر لأنه لو كان كذلك لما كان يتعدى آخر مدى صوت المؤذن، فإنه هو الذي يشهد له من فيه على فرض أن إبليس داخل فيه. وأما على قول من خصّ ذلك بمؤمن الجن دون الكفار؛ فلا إشكال، وفيه تخصيص العموم بدون مخصص، وورد في إحدى روايات مسلم أنه يكون عند الروحاء، ففي رواية جابر فيه: حتى يكون مكان الروحاء من المدينة مرحلتان قيل: إن بينهما ستة وثلاثين ميلًا. وقوله:(حتى لا يسمع التأذين) علة لذلك الإدبار وإخراج الصوت، وظاهره أنه يتعمد إخراج ذلك الصوت، ولهذا قال بعضهم: يفعل ذلك مضادة لحالة أهل الصلاة. من الطهارة. وقوله:(حتى إذا قضى النداء) قضى: يعني فرغ منه، وهو أحد معاني القضاء التي ورد لها في اللغة، وهي القضاء بمعنى الفراغ، (فإذا قضيت الصلاة){قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ}، وبمعنى الأمر:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}، وبمعنى الفعل للشيء وتسويته. {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ}، وقول أبي ذؤيب: