سمعت رسول الله، وجملة (إذا سمعتم) مقول القول، وقوله:(المؤذن) أي أذان المؤذن لأنه المسموع. وقوله:(فقولوا) الفاء واقعة في جواب (إذا)، و (مثل) تقدم أنها صفة لمصدر محذوف التقدير: قولًا مثل، و (ما) إما موصولة أو مصدرية كما تقدم، فعلى الأول التقدير: مثل الذي يقول، والعائد محذوف أي: يقوله، وتقدم هذا في شرح حديث أبي سعيد الخدري ٦٧٠. وقوله:(وصلوا علي) أي بعد قولكم مثل قول المؤذن، وقوله:(فإنه) الضمير للشأن، (من صلى علي صلاة) أي: واحدة، (صلى الله عليه عشرًا) لأن الحسنة بعشر أمثالها، وصلاة الله على عباده رحمته لهم ومغفرته وإكرامه. وقوله:(ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة) الوسيلة: أصلها الحاجة والقربى من الشيء، قال عنترة:
إن الرجال لهم إليك وسيلة ... إن يأخذوك تكحلي وتخضبي
وفسّرها هنا بأنها منزلة في الجنة، ويقال: الواسلة والجمع الوسائل، وهي أيضًا بمعنى: المنزلة عند الملك ونحوه والدرجة والوصلة وما يتقرب به إلى الغير، ووسل إلى الله وسيلا: عمل عملًا يتقرب به إليه، كتوسل إليه والواسل: الواجب، والواسل أيضًا: الراغب إلى الله. قال لبيد - رضي الله عنه -:
أرى الناس لا يدرون ما قدر أمرهم ... بلى كل ذي لب إلى الله واسل
وقوله:(لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله) أي: لا تصلح ولا تليق إلا لعبد واحد من عباد الله. وقد تكلم بعض العلماء في تفسير الوسيلة هنا، ولا ينبغي الكلام في ذلك عندي؛ لأنه لم يرد فيه بيان منه - صلى الله عليه وسلم - ولا سبيل إلى معرفته إلا من قبله، فالسكوت عنه أولى واعتقاد أنها منزلة خاصة به - صلى الله عليه وسلم -. وقوله:(أرجو أن أكون أنا هو) اختلفوا في توجيه هذه الجملة، فقيل: إن كلمة (أنا) توكيد للضمير المستتر، وكلمة (هو): إما من باب وضع الضمير موضع اسم الإشارة أي: أنا ذلك العبد، وإما أن يكون (هو) وُضع موضع إياه، وهو في الحالين خبر كان. وهذان الوجهان عندي غير مرضيين، والأولى عندي: أن يكون مبتدأ و (هو) خبره أو العكس، والجملة في محل نصب خبر لكان فيحتمل أنه عرف أنه صاحبها وقال هذا على سبيل التواضع، والسياق يؤيد ذلك لقوله:(لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله)، ويكون هذا فيه عدم الاغترار بالله وعدم أمن مكر الله، وجوَّز بعض العلماء أن يكون قال هذا قبل العلم بأنه صاحبها. وأما كونه طلب السؤال من