وقوله:(فأوتيه أي أعطاه الله إياه) قال تعالى: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} وقوله: (ملكًا لا ينبغي لأحد من بعده) أي لا يصلح لأحد غيره والمراد تسخير الجن كما دل الحديث الثابت في الصحيح: أن عفريت تفلّت على الحديث وفيه فلولا دعوة أخي سليمان لأصبح مربوطًا بهذه السارية وقوله: (سأل الله -عز وجل- حين فرغ) أي عند انتهائه من بناء البيت لأنه عبادة وقربة والدعاء بعد الانتهاء من العبادة مرجو الإجابة وتقدم الكلام على حين والمراد بالمسجد مسجد بيت المقدس وهذا يدل على ما قدمناه من أن قوله: (لما بني بيت المقدس) المراد به بناء مسجده فأل في المسجد للعهد الذكري وقوله: (أن لا يأتيه أحد) فأن مصدرية ولا نافية والضمير في يأتيه للمسجد المذكور وقوله: (لا ينهزه إلا الصلاة) أي لا يحمله على إتيانه إلا الصلاة أي قصد الصلاة فيه وهذا إشارة إلى الإخلاص وقوله: (الصلاة فيه) الصلاة بالرفع فاعل ينهزه لأن الاستثناء مفرغ وقوله: (أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه) أي يغفر له ذنوبه حتى يكون في السلامة منها والبعد من تبعتها بمثابة من ولدته أمه وهذا كما تقدم في الطهارة محمول على الصغائر دون الكبائر ويوم هنا يجوز فيه البناء والإعراب والمختار فيه البناء لأن بعده فعل مبني وقد قال ابن مالك -رحمه الله-:
وابن أو اعرب ما في قرأ جريا ... واختربنا متلوّ فعل بنيا. اهـ
وقد أخبر - صلى الله عليه وسلم - أن الله أعطاه اثنين والظاهر أن الله أعطاه الثالثة لأن هذا هو محل الفائدة الكبيرة للأمة من الحديث المذكور ومحل الترغيب في هذا المسجد وإتيانه وفي الرواية التي تقدمت الإشارة إليها عند الطبراني عن رافع بن عمير أما الثنتان فقد أعطيهما وأنا أرجو أن يكون قد أعطي الثالثة وعند أحمد في حديث عبد الله بن عمرو هذا قال فيه: ونحن نرجو أن تكون لنا الثالثة وكذا لابن ماجه والخطيئة الذنب وتقدم في الوضوء وذكر بعض العلماء أنه يحتمل أن في الكلام حذفًا التقدير إلا يخرجه من ذنوبه إلخ. والله أعلم.
• الأحكام والفوائد
والحديث فيه: دليل على فضل مسجد القدس وفضل الصلاة فيه ومشروعية إتيانه ولو بالسفر إليه لأن قوله: لا يأتيه أحد عام لأنها نكرة في سياق النفي والإتيان أعم من أن يكون من بعيد أو من قريب وقد صحت الأحاديث