فقال تبارك وتعالى:{سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا} إلى قوله: {فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} قال: (تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم وأرجأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرنا) أي أخر الحكم فينا حتى نزل عليه الوحي وقوله: (فبذلك) أي بسبب تأخيره لأمرنا وصفنا الله بقوله: (خلفوا) يعني أن كعبا - رضي الله عنه - يرى أن وصفهم بكونهم خلفوا المراد به إرجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتخليفه لهم عن غيرهم ممن حلفوا له وقبل منهم.
• الأحكام والفوائد
تضمن هذا الحديث بتمام قصته فوائد كثيرة وأحكام شرعية ظاهرة ومستنبطة فمن فوائده: التحدث بنعمة الله على الإنسان وبيان سببها إن كان هناك وجواز ذكر الذنب الذي يكون ظاهرًا ويتوب منه صاحبه على سبيل الاعتراف بمنة الله عليه وفيه: ذكر الإنسان لسابق فضله عند الحاجة إلى ذلك وفيه: فضل الغزو مع رسول الله وذم التخلف عند من غير عذر وفيه: أن كعبًا شهد المشاهد كلها ما عدا بدرًا وفيه: بيان الفرق بين التخلف عن بدر والتخلف عن غيرها لأن بدرًا لم يستنفر فيها الناس بل لم يكونوا يظنون أنهم يلقون حربًا وفيه: فضل أهل بدر وأهل العقبة وفيه: جواز أخذ أموال الكفار الحربيين من غير قتال لأنه - صلى الله عليه وسلم - خرج من بدر لذلك وفيه: التصريح بأنهم ليلة العقبة واثقوه على الإِسلام وفيه: أن مراتب الصحابة تختلف باختلاف مراتب مشاهدهم وفيه: استنفار الإِمام للناس للجهاد وفيه: أن الإِمام أو الوالي على الغزو ينبغي له أن يوري بغيره إذا اقتضت ذلك المصلحة فإن رأى أن المصلحة في التصريح لهم ليستعدوا فيكون التصريح أولى وقد يستدل به على أن الإِمام إذا استنفر الناس وجب عليهم الخروج كما قال: وإذا استنفرتم فانفروا وبذلك يتبين سبب غضبه - صلى الله عليه وسلم - على من تخلف في هذه الغزوة مع أن حالة الأنصار في ذلك قد تكون أضيق من غيرهم بل قد صرح سبحانه في القرآن بعدم جواز تخلف أهل المدينة ومن حولهم من الأعراب عنه - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى:{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} الآية وهي نص على عدم جواز التخلف عنه وفيه: التأهب للسفر وللحرب بالزاد وآلة الحرب