(بصلاته) أي اقتدوا به في الصلاة التي كان يصليها بالليل في ذلك المحل محتجزا عنهم بالحصير فلهذا قالت: وبينه وبينهم الحصير وقولها: (فقال) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - على سبيل الزجر لهم والنهي عما يريدون من الاقتداء به في ذلك (اكلفوا) أي تحملوا من العمل ما تقدرون على فعله على الدوام ولا تحملوا أنفسكم شيئًا تعجزون عنه فإن العمل القليل مع المداومة خير من الكثير مع الانقطاع والترك والهمزة في قوله: (اكلفوا) همزة وصل لأن أصل الكلمة من كلف الشيء يكلفه من باب ضرب تحمله بمشقة أو أحبه وكلف به إذا أولع به وكلفه غيره إذا حمله مشقته قال النابغة:
تكلفني ليلى وقد شد وليها ... وعدت عواد بيننا وخطوب
وقال ابن المعذل:
تكلفني معيشة آل زيد ... وهان عليها أن أذل وتكرم
وقالت سل المعروف يحيى بن أكثم ... فقلت سليه رب يحيى بن أكثم
فالمعنى تحملوا على ما قدمنا بيانه وما موصولة والجملة صلتها والعائد محذوف وهو هاء الغائب العائد على. . . أي الذي تطيقونه وتقدم غير مرة أن حذفه مضطرد وقوله:(فإن الله -عز وجل- لا يمل حتى تملوا) الفاء تعليلية وفي بعض الروايات فوالله لا يمل الله حتى تملوا وأكثر الروايات بلفظ عليكم من العمل بما تطيقون بدل اكلفوا وتقدم الكلام على الوصفين -عز وجل- أول الكتاب وقوله:(لا يمل) أي لا ينقطع ثوابه عن العامل بالخير حتى يكل العامل ويترك العمل كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لمن قال له: إذا أكثر فقال: الله أكثر" أي أكثر من العمل فأخبره الله أكثر فمهما كثر عمله فثواب الله أكثر منه.
وليس للغاية هنا اعتبار إلا بالنسبة لانقطاع ما يترتب على عملهم إذا انقطع عملهم وإلا فالله -عز وجل- لا ينقطع خيره وثوابه ولا غاية له ولا عد إلا بالنسبة لما جعله مرتبًا على عمل العباد وقوله:(وأن أحب الأعمال إلى الله -عز وجل- أدومه وإن قل) أي أن أحب أعمال الطاعات التي هي نوافل إلى الله تعالى ما داوم عليه فاعله وإن كان شيئًا قليلًا لأن في المداومة فوائد منها دوام الاتصال بطاعة الرب وطرق باب الخير وعدم الإعراض بخلاف المنقطع من العمل فإن صاحبه كأنه أعرض بعد انتهائه ومنها: أن النفحات قد تصادف هذا