وقوله:(ائتموا بي) صادق بأمرين أحدهما أن لا يتركوا شيئًا من أفعاله ولا يفعلوا خلاف فعله والثاني: أن تكون جميع أفعاله تابعة لفعله ولا يتقدموا عليه في شيء من أفعال صلاتهم وقوله: (وليأتم بكم من بعدكم) أي ليقتدوا بأفعالكم ويستدلوا بها على أفعالي لأن المطلوب اقتداء الجميع بأفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيفعلها من رآها منه عند رؤيته لها ومن لم يرها برؤية فعل الذي يراها وهذا هو المعنى الذي يتعين حمل اللفظ عليه هنا لأن الفرض اجتماعهم لأن الفرض اجتماعهم على فعل واحد هو فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ويحتمل أن المراد أن هؤلاء الذين يشاهدون فعله برؤيتهم له أو رؤية المقتدين به يحفظون صفة صلاته للمسلمين حتى ينقلها الذين صلوا معه إلى من لم يدركه وأولئك إلى من بعدهم هكذا فلا تزال محفوظة وهذان المعنيان هما المرادان من الحديث عند الجمهور من العلماء ولم يخالف في ذلك إلا عامر الشعبي فإنه نقل عنه في قوله:(ليأتم بكم من بعدكم) أن المراد أن المأمومين الذين لا يروه يجعلون الذين يروه أئمة لهم وبنى عليه أن أولئك المأمومين يتحملون من صلاة المتأخرين ما يحمله الإمام ولو أن داخلًا رآهم ركوعًا فأحرم وأدرك ركوعهم بعد رفع الإمام صحت له تلك الركعة وهذا في غاية الشذوذ والبعد عن القصد في الائتمام وعن معنى قوله -عليه السلام- "الإمام ضامن" مع جلالة القائل به إن صح عنه وقد أخرجه عنه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (ولا يزال قوم يتأخرون) عن الصفوف المتقدمة تكاسلا وزهادة في الأجر إن كان المراد المنافقون كما قال بعضهم وأما الصحابة بعد علمهم بذلك فلا يتأتى منهم فعله لحرصهم على الخير، وحبهم للامتثال وقوله:(حتى يؤخرهم الله) إما عن الخير جملة إن كانوا منافقين أو عن درجة أهل الفضيلة بالنسبة لمن يفعل ذلك كسلًا من المؤمنين ولو في غير زمن النبوة لأن هذا الحكم وهذا الوعيد غير خاصين بزمنه بل هو تشريع مستمر و (حتى) للغاية التي يصلون إليها من الغبن والخسران بسبب تأخرهم.
وفي الحديث: اهتمام الإمام بشأن الرعية وتعليمهم لاسيما أمور الصلاة وفيه العناية بهيئتها بتسوية الصفوف وفضل المبادرة إلى التقدم فيها لكن بشرط أن لا يكون في ذلك أذية للغير ويستلزم الحرص على التقدم في الغالب التبكير