العراق قال: وكذلك قول الشافعي وأصحابه وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبي ثور وأبي عبيد وجماعة أصحاب الحديث. قال: وكان النعمان يعني أبا حنيفة يكره سؤره وقال إن كان توضأ به أجزاء وخالفه أصحابه، فقالوا: لا بأس به وتعقبه ابن عبد البر -رحمه الله- قائلًا إنما خالفه أبو يوسف وحده وأما محمَّد وزفر والحسن بن زياد فيقولون بقوله، وأكثرهم يرون أنه لا يجزئ الوضوء بفضل الهر ويحتجون لذلك، ويروون عن أبي هريرة وابن عمر أنهما كرها الوضوء به وهو قول ابن أبي ليلى، ثم ذكر الاختلاف عن الثوري فقيل: إنه يكره سؤر ما لا يؤكل لحمه وهو ممن يكره أكل الهر، وأسند المروزي عنه أنه قال: لا بأس به. قال أبو عمر -رحمه الله-: لا أعلم لمن كره سؤر الهرة حجة أحسن من أنه لم يبلغه حديث أبي قتادة وبلغه حديث أبي هريرة في الكلب فقاس الهر على الكلب، وقد فرقت السنة بينهما في التعبد، وجمعت بينهما على حسب ما قدمنا ذكره من باب الاعتبار والنظر، ومن حَجّته السنة خصمته، وقال: ومن حجتهم أيضًا ثم ذكر رواية قرة بن خالد عن أبي هريرة ثم عللها بما حاصله الشذوذ وفيها الأمر بغسل الإِناء من الهرة مرة أو مرتين.
وذكر ابن عبد البر: أن الحديث فيه إباحة اتخاذ الهرة وما أبيح اتخاذه جاز بيعه، وأكل ثمنه، إلَّا أن يخص شيئًا من ذلك دليل فيخرجه عن أصله، وفيه: أن الهر ليس يُنَجِّس ما شرب منه، وأن سؤره طاهر وقد تقدم ذلك وأن ما أبيح لنا اتخاذه فسؤره طاهر لأنه من الطوافين علينا، ومعنى الطوافين علينا الذين يخالطوننا. وقد تقدم ذلك، ومنه قوله تعالى في الأطفال:{طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ}، ثم ذكر أن طهارة الهر تدل على طهارة الكلب أي من هذا الوجه، وأنه ليس في حي نجاسة سوى الخنزير والله أعلم، لأن الكلب من الطوافين علينا ومما أبيح لنا اتخاذه في مواضع من الأمور، وإذا كان حكمه في تلك المواضع كتلك فمعلوم أن سؤره في غير تلك المواضع كسؤره فيها، لأن عينه لا تنتقل، ثم ذكر أنه يدل على أن غسل الإِناء من الكلب تعبدي لمفارقته لصفة غسل النجاسات على ما تقدم اهـ. باختصار قلت: هذا يتجه أكثره في الكلب المأذون في اتخاذه والله أعلم، غير أن الحديث يدل على عموم الحكم فيه، وفي الحديث دليل على أن الرواية يستوي فيها الرجال والنساء لأن المعتبر الحفظ والضبط مع السلامة من القوادح.