للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وسائر العبادات.

قال الخطابي -رَحِمَهُ اللهُ-: لم يرد به أعيان الأعمال لأنها حاصلة حسًا وعينًا بغير نية وإنما معناه أن صحة أحكام الأعمال في حق الدين إنما تقع بالنية وأن النية هي الفاصلة بين ما يصح وما لا يصح، وكلمة إنما عاملة بركنيها إيجابًا ونفيًا، فهي تثبت الشيء وتنفي ما عداه فدلالتها أن العبادة إذا صحبتها النية صحت وإذا لم تصحبها لم تصح ومقتضى حق العموم فيها موجب ألا يصح عمل من الأعمال الدينية فرضًا كان أو نفلًا إلَّا بالنية.

قال البيضاوي: الحديث متروك الظاهر لأن الذوات غير منتفية، والمراد به نفي أحكامها كالصحة والفضيلة والحمل على نفي الصحة أولى لأنه أشبه بنفي الشيء نفسه ولأن اللفظ يدل بالتصريح على نفي الذات، وبالتبع على نفي جميع الصفات فلما منع الدليل دلالته على نفي الذات بقيت دلالته على نفي جميع الصفات.

والأعمال والنيات كل واحد منهما على بأداة الاستغراق فحمله إما على عرف اللغة فيكون حقيقًا أو على عرف الشرع فيكون المراد الواجبات والمندوبات على ما تقدم وتكون النية الإِخلاص والبعد عن الرياء والتعرض بالعمل لأي غرض غير وجه الله.

وذهب الإِمام أبو حنيفة وأصحابه أبو يوسف ومحمد وزفر إلى أن الوضوء والغسل لا يشترط فيهما النية ووافقهما الثوري والحسن بن حي، ورُوِيَ عن مالك في رواية له أنه قال بعدم اشتراط النية في الطهارتين، وكذلك الأوزاعي إلَّا أنه زاد التيمم وكذلك الحسن بن حي، وقال عطاء ومجاهد لا يحتاج صيام رمضان إلى نية إلَّا أن يكون مسافرًا، أو مريضًا.

قلت: وهذه الأقوال مبناها على أن الطهارة وسيلة وليست مقصدًا يقصد به التعبد، ويرده: ما ثبت في السنة الصحيحة من أن الوضوء عبادة تُكفَّر بها السيئات كما سيأتي إن شاء الله، وأما إسقاط النية في صيام رمضان فالظاهر أن المراد تخصيص الصيام بتعيينه لزمان أي أنه لا يحتاج عند نية الصيام أن يعين أنه رمضان فإذا كان كذلك فيكون وجهه أن الظرف غير قابل لصوم غير رمضان والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>