للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جوانح قد أيقن أن قبيله ... إذا ما التقى الجمعان أول غالب

ومعنى: (تضع أجنحتها) فيه وجهان أحدهما: هو أن يكون حقيقة على وجه لا ندركه فنؤمن بحصوله ولو لم نتعقل صفته كما هو الواجب في الأمور السمعية من الإيمان بها ورد علمها إلى الله ويحتمل أنه عبارة عن الخضوع والتواضع وإظهار التوقير كما في قوله: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} ويحتمل وجهًا ثالثًا وهو ترك الطيران عند رؤيتهم له وفي الرواية التي تقدمت الإِشارة إليها تبسط بدل تضع وهو يؤيد أن المراد بسطها للجناح حقيقة على سبيل التواضع والمراد (بالعلم): العلم المقرب إلى الله تعالى وهو ما يشتمل على العلم باللهِ تعالى وأسمائه وصفاته وما يجب في حقه وما يستحيل والعلم بالرسل وما يتعلق بذلك مما يجب اعتقاده شرعًا كالملائكة والكتب والبعث وبالأحكام الشرعية مما جاء في الكتاب والسنة وما يتبع ذلك من فروع الشريعة واللغة التي لا يحصل الفهم إلا بها ليعمل بذلك ويعلمه الجهال من الناس لأن هذه هي وراثة النبوة والأحاديث في فضل هذا النوع من العلم كثيرة مشهورة، وتخصيص ما ذكر من العلم لأنه هو العلم شرعًا عند الإطلاق فلا ينصرف لغيره فتكون أل فيه للعهد الذهني وهو العلم النافع في الآخرة دون غيره من علوم الدنيا وقوله: (رضا) مفعول لأجله أي تضع أجنحتها لأجل رضاها بما يصنع أي حبها له وهو طلب العلم وهذا الوعد يتوقف على النية الحسنة لحديث: "إنما الأعمال بالنيات" وحديث المراءين في حديث أبي هريرة: "أول من تسعر بهم النار" فإن طلب العلم للدنيا فيه وعيد شديد كما ثبت في الحديث الذي رواه الحاكم وقال على شرط البخاري ومسلم ورواه أبو داود وابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة "من تعلم علمًا مما يُبْتغى به وجه الله تعالى لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة" والأحاديث في هذا أي ذم عدم الإخلاص في العلم معروفة ولذا قال بعضهم: وهو الشيخ محمد العاقب بن مايابا الشنقيطي:

من طلب العلم احتسابا وابتغا ... رضى العليم فاز بالذي ابتغا

ومن به نهج المباهاة سلك ... أو ظن نفسه على خير هلك

وذم من نوى الدنا بالقيس ... على مهاجر لأم قيس

<<  <  ج: ص:  >  >>