تماروا بنا في الفجر حتى تبينوا ... مع الفجر فرسانًا وقابًا مقومًا
وقوله:(في الغسل) أي في قدر الماء الذي ينبغي للمغتسل أن يغتسل به، كما دل عليه الجواب في كلام جابر - رضي الله عنه -.
وقوله:(عند جابر) أي في مجلسه وبحضرته. قوله:(يكفي من الغسل) أي في الغسل، فـ (من) هنا بمعنى (في) وهو أحد معاني (من) التي تأتي لها، وهي خمسة عشر معنى ذكرها ابن هشام -رحمه الله-، فهي هنا نحو قوله تعالى:{مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} أي في الأرض، وقوله تعالى:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} أي في يوم الجمعة، وتكون مرادفة للباء كقوله تعالى:{يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ}، وبمعنى عند كقوله:{لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ} أي عند الله، وتكون بمعنى ربما كما في قول الشاعر:
وإنا لمما نضرب الكبش ضربة ... على رأسه تلقي اللسان من الفم
أي لربما، وتكون بمعنى على كقوله تعالى:{وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ} أي على القوم الذين كذبوا، وتكون للفصل بين المتضادين، كقوله:{وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}، وتكون للغاية كقولك: رأيته من ذلك الموضع، وتكون زائدة للتنصيص على العموم نحو: ما جاء من رجل، وتكون لتوكيد العموم إذا زيدت قبل صيغة عموم نحو: ما جاءني من أحد أو من ديار لأن كلًا منهما صيغة عموم، وتكون لابتداء الغاية، قال ابن هشام: وهو الغالب عليها حتى ادعى بعضهم أن سائر معانيها راجعة إليه نحو: {مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}، وتكون للتبعيض نحو:{مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ}، ولبيان الجنس وتقع بعد مهما وما كثيرًا كقوله:{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ}{مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ}، وللتعليل نحو:{مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ} وقول الفرزدق:
يغضي حياءً ويُغْضي من مهابته ... فلا يُكلم إلا حين يبتسم
وتكون للبدل نحو:{بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا} أي بدلها، وتكون مرادفة لـ (عن) كقوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ} ذكر معنى ذلك ابن هشام. وإنما أطلت في ذكرها لحاجة كثير من الطلبة لبيان معانيها مختصرة فإنها من أكثر الحروف معاني.