قوله:(تماروا في الغسل) أي تنازعوا في شأن الغسل، وقد تقدم أن المماراة هي المنازعة في حديث جابر رقم ٢٣٠. وقوله:(أما أنا) تقدم الكلام على أما في حديث ابن عباس في المقبورين اللذين كانا يعذبان رقم ٣١، وهي حرف شرط وتوكيد وتفصيل، ويدل على شرطيتها لزوم الفاء بعدها كما في قوله:{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ} ونحوها، كما قال ابن مالك -رحمه الله-:
أما كمهما يك في شيء وفا ... لتلو تلوها وجوبًا ألفًا
والدليل على كونها للتفصيل قوله تعالى:{أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} والدليل على كونها للتوكيد أنك تقول: زيد ذاهب، فإذا قلت: أما زيد فذاهب؛ فقد أكدت. وقد ذكر بعض العلماء هاهنا إشكالًا ينبني على كونها للتفصيل على ما ذكره الكرماني، وهو أنها إذا كانت للتفصيل فأين قسيمها؟ وأجيب بأنه يقدر محذوفًا أي: وأما غيري فلا أعلم حاله، وهذا فيه تكلف ودعوى الحذف ولا ملجئ إليه وهو خلاف الأصل، والصواب ما قدمنا من أنها للتوكيد لا للتفصيل، وذكر ابن حجر -رحمه الله- في توجيه الحذف: أن المحذوف دلت عليه رواية مسلم في صحيحه أن بعض القوم قال: أما أنا فأغسل رأسي بكذا وكذا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أما أنا إلخ.
وقد عرفت أنه لا داعي لدعوى الحذف مع العمل على التوكيد، فيترجح ذلك. وقوله (فأفيض) تقدم معناه قريبًا وقوله: (ثلاثة أكف) وفي رواية: (ثلاثًا)، وهذه مبينة للمراد بالثلاث في تلك الرواية المبهمة، وفي رواية البخاري ما يدل على أن المراد ثلاث حفنات باليدين معًا كما في الروايات الأخر في صفة الغسل، وتقدم ذلك وكذا سائر ما يتعلق بالحديث، وفيه دليل لما ترجم له المصنف. وقد يستفاد منه أن الوضوء ليس بواجب لأنه لم يذكر، ولكن يجاب عنه بأنه لم يذكر إلا موضع النزاع المبين سابقًا في قول بعضهم: أغسل رأسي كذا وكذا، والله أعلم.