للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحلم، ومواقفه في ذلك مشهورة فإنه ولي الشام لعمر -رضي الله عن الجميع- بعد موت أخيه الصحابي الجليل يزيد بن أبي سفيان، وقد مات يزيد في طاعون عمواس سنة ١٧ أو ١٨ فولى عمر معاوية بعده، ومكث واليًا على ما كان في ولاية أخيه. فلما ولي الخليفة الراشد عثمان بن عفان الخلافة جمع الشام لمعاوية فاستمر واليًا عليه، ثم ولي الخلافة فلم ينقل عنه أنه قتل أحدًا صبرًا بين يديه، إلا ما كان من قصة حجر وكان قتله بعذراء وسبب قتله ابن زياد، ولم يثبت أيضًا عنه أنه عاقب أحدًا انتقامًا لنفسه مع ما كان يسمع من الناس من الرد عليه، ولم يبايع ابن عمه عليًا محتجًا بأنه يطلب قتل قتلة عثمان وهم في جيش علي، فطلب منه أن يبايع ثم بعد تمام البيعة يحاكم الناس، فمن ثبت أنه شارك في دم عثمان أخذ به. فتأوَّل معاوية وجوب المطالبة بدم عثمان كما تأوَّل مثل ذلك طلحة والزبير وهما من العشرة خير وأفضل من معاوية، وتأولت عائشة مثل ذلك بما أفضى بالجميع إلى القتال المعروف وانفتاح باب الفتنة، كما أشار إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتفصيل ذلك يطول. واستمر النزاع حتى قتل علي - رضي الله عنه - وتنازل ابنه الإِمام الراشد الحسن عن الخلافة حقنًا لدماء المسلمين وزهادة في الدنيا، وتحقيقًا لقوله -عليه الصلاة والسلام- فيه: "ابني سيد وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين". فتم الأمر لمعاوية وذلك مستهل سنة ٤١ من الهجرة، واستمر واليًا إلى أن مات، ولم يقل أحد من الناس صادقًا ولا كاذبًا أنه قتل في مدة الحكم الطويل أحدًا صبرًا بين يديه، إلَّا الخارجي الذي طعنه وهو في الصلاة. وأما قضية حجر فإنه لما شهد الناس عليه بأمر زياد لهم بالخروج عن الطاعة والدعوة إلى سفك الدماء، ولم يصلوا به إلى معاوية ولم يوجد من يحسن الشفاعة فيه وفيمن قتلوا معه، ومن شفع له لم يقتل ولهذا لما قالت عائشة -رضي الله عنها-: كيف قتلت حجرًا؟ قال: خل بيني وبينه فإني سوف ألقاه بالطريق، قالت: أين غاب عنك حلم أبي سفيان؟ قال لها: حين غاب عني مثلك من قومي -يشير إلى أن جلساءه لم يكن فيهم خير. والمقصود أن ما جرى بين الصحابة اتفق أهل السنة والجماعة على وجوب الكف عنه وعدم الكلام فيهم إلا بخير، فهم مجتهدون كلهم فعليٌّ مجتهد مصيب، ومعاوية مجتهد مخطئ وقد صح عنه - صلى الله عليه وسلم - أن المصيب من المجتهدين

<<  <  ج: ص:  >  >>