الآخر، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقرّ كلًا منهما على فعله، وطارق مختلف في صحبته كما تقدم، وعلى نفيها فالحديث مرسل، وتقدم قول أبي داود إنه لم يرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإن كان قال إنه رآه، ونفى أبو حاتم صحبته، وقال: إن حديثه في تفضيل الجهاد مرسل، وقال العجلي: إنه من أصحاب ابن مسعود، فعلى هذا: الحديث مرسل. وفيه إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - للجنب إذا لم يجد الماء على ترك الصلاة، وقال لفاعل ذلك أصبت، وهذا معارض لما ثبت في الصحيحين وغيرهما مما تقدم للمصنف وغيره؛ من أمره للجنب بالتيمم وانكاره على الرجل الذي اعتزل الناس في الصلاة، ولم يصل معهم معتلًا بأنه جنب ولم يجد الماء كما تقدم، وقوله له: ألست برجل مسلم؟ وغير ذلك مما تقدم، وسيأتي من عدم إقراره للجنب على ترك الصلاة. فهذا المرسل لا يعارض تلك الأحاديث المتفق عليها، إلَّا أن يقال: إن هذا الذي لم يصل كان قبل مشروعية التيمم ونزول القرآن فيه، وأن فعل الرجلين لم يكن في وقت واحد، مع أن سياق الإمام أحمد يقرب من شبه قصة عمر وعمار، فإنه قال فيه:"أجنب رجلان فتيمم أحدهما فصلى ولم يصل الآخر، فأتيا النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يعب عليهما". فهذا يقرب من شبه قصة عمار، وإن لم يكن موافقًا لها من سياق المصنف، وظاهر في أنهما كانا معًا.
قلت: ويحتمل أنهما أتيا النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد بقي من وقت تلك الصلاة شيء، فيكون الحاصل منهما أن أحدهما بادر إلى فعل الصلاة في أول الوقت بالتيمم، كما فعل ابن عمر لما غربت عليه الشمس قبل وصوله المدينة فتيمم وصلى، والآخر أخّر الصلاة لآخر الوقت حتى يغتسل، فيكون من باب الخلاف في المسألة المعروفة عند الفقهاء وهي: هل المحافظة على أول الوقت ولو بالتيمم أفضل أو المحافظة على الطهارة بالماء ولو في آخر الوقت كفعل عمر لما كان في الركب ومعه عمرو، فاجنب فأخّر الصلاة حتى وصل الماء؟ واحتمال أن يكون الحديث المراد به قصة عمر وعمار قوي لولا قوله:(أحسنت) لكلٍ منهما، فإنها زيادة لا توجد في شيء من الروايات الصحيحة، فهي شاذة بل منكرة إن كانت القصة قصة عمر وعمار، وإن لم تكن فالإحتمال المذكور قائم على ما قدمناه، وعدم الإنكار على عمر في قصته؛ قد يكون لأجل أن جواب النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمار بحضرة عمر، فكفاه ذلك عن الإنكار عليه وسؤاله، على أنه