للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النهي إنما كان احترامًا لسُكّانها أن يُوطأ بالنعال فوق رؤوسهم. ولهذا يُنهى عن التغوط بين القبور. وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الجلوس على الجمر حتى تُحرِق الثياب خير من الجلوس على القبر (١)، ومعلوم: أن هذا أخف من المشي بين القبور بالنعال.

وبالجملة، فاحترام الميت في قبره بمنزلة احترامه في داره التي كان يسكنها في الدنيا، فإن القبر قد صار داره. وقد تقدم (٢) قوله - صلى الله عليه وسلم -: «كسرُ عظمِ الميت ككسره حيًّا»، فدل على أن احترامه في قبره كاحترامه في داره.

والقبور هي ديار الموتى ومنازلهم ومحل تزاوُرِهم، وعليها تنزل الرحمة من ربهم والفضل على محسنهم، فهي منازل المرحومين ومَهبِط الرحمة، ويَلقَى بعضُهم بعضًا على أفنية قبورهم، يتجالسون ويتزاورون، كما تضافرت به الآثار. ومن تأمل «كتاب القبور» لابن أبي الدنيا رأى فيه آثارًا كثيرة في ذلك.

فكيف يُستبعَد أن يكون من محاسن الشريعة إكرامُ هذه المنازل عن وطئها بالنعال واحترامها؟ بل هذا من تمام محاسنها، وشاهده ما ذكرناه من وطئها، والجلوس عليها والاتكاء عليها.

وأما تضعيف حديث بشير، فممّا لم نعلم أحدًا طعن فيه، بل قد قال الإمام أحمد: إسناده جيد. وقال عبد الرحمن بن مهدي: كان عبد الله بن


(١) أخرجه مسلم (٩٧١) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) في «المختصر» (٣٠٧٨) وفي «السنن» (٣٢٠٧) من حديث عائشة - رضي الله عنها - مرفوعًا. وقد اختُلف في الحديث وقفًا ورفعًا، والذين وقفوه على عائشة أوثق وأكثر. انظر: «التاريخ الكبير» للبخاري (١/ ١٥٠)، و «العلل» للدارقطني (٣٧٥٦).