للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قالوا: وأما قولكم: إن النهي إنما كان للنساء خاصة، فغير صحيح، لأن قوله: «كنت نهيتكم» خطاب للذكور أصلًا ووضعًا، فلا بد وأن يتناولهم. ولو كان النهي إنما كان للنساء خاصةً لقال: «كنت نهيتكن» ولم يقل «نهيتكم». بل كان في أول الإسلام قد نهى عن زيارة القبور صيانةً لجانب التوحيد، وقطعًا للتعلق بالأموات، وسدًّا لذريعة الشرك التي أصلها من عبادة القبور، كما قال ابن عباس (١). فلما تمكّن التوحيد من قلوبهم واضمحلّ الشرك واستقر الدين أَذِن في زيارةٍ يحصل بها مزيدُ الإيمان وتذكيرُ ما خُلِق العبد له من دار البقاء، فأذِن حينئذ فيها، فكان نهيه عنها للمصلحة وإذنُه فيها للمصلحة.

وأما النساء، فإن هذه المصلحة وإن كانت مطلوبة منهن، لكن ما يقارن زيارتهن من المفاسد التي يعلمها الخاص والعام من فتنة الأحياء وإيذاء


(١) يشير إلى أثر ابن عباس المشهور الذي أخرجه البخاري (٤٩٢٠) وغيره أن أوثان قوم نوح إنما كانت أسماء رجال صالحين، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم أنصابًا وسمُّوها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تُعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسّخ العلم عُبِدت.
وليس في أثر ابن عباس ذكر لقبور هؤلاء الصالحين وافتتان قومهم بها، كما يوهمه ظاهر كلام المؤلف، ولعله تبع في ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية، فإنه عندما يورد تفسير ابن عباس وغيره من السلف لآية سورة نوح يقول: «فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم». انظر: «مجموع الفتاوى» (١/ ١٥١، ١٦٧، ٣٥٧، ١١/ ٢٩٢).
وعلى كلّ، فلا شك أن افتتان المشركين القبوريين بأضرحة الصالحين هو مثل افتتان قوم نوح بتماثيل الصالحين سواءً بسواء.