عدلت إليه وقصدت زيارته، فهي قد قالت:«لو شهدتُك لما زرتك»، وهذا يدل على أنه من المستقر المعلوم عندها: أن النساء لا يُشرَع لهن زيارة القبور، وإلا لم يكن في قولها ذلك معنى.
وأما رواية البيهقي وقولها:«نهى عنها ثم أمر بزيارتها»، فهي من رواية بِسطام بن مسلم ... (١). ولو صح فهي تأولت ما تأول غيرها من دخول النساء، والحجة في قول المعصوم لا في تأويل الراوي، وتأويله إنما يكون مقبولًا حيث لا يعارضه ما هو أقوى منه، وهذا قد عارضه أحاديث المنع.
قالوا: وأما حديث أنس فهو حجة لنا، فإنه لم يُقِرَّها بل أمرها بتقوى الله التي هي فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، ومن جملتها: النهي عن الزيارة، وقال لها:«اصبري»، ومعلوم أن مجيئها إلى القبر وبكاءَها منافٍ للصبر، فلما أبت أن تقبل منه ولم تعرفه انصرف عنها، فلما علمت أنه - صلى الله عليه وسلم - هو الآمر لها جاءته تعتذر إليه من مخالفة أمره. فأي دليل في هذا على جواز زيارة النساء؟
وبعدُ، فلا يُعلَم أن هذه القضية بعدَ لعنته زائراتِ القبور، ونحن نقول: إما أن تكون دالةً على الجواز فلا دلالة على تأخُّرها عن أحاديث المنع، أو تكون دالةً على المنع بأمرها بتقوى الله فلا دلالة فيها على الجواز، فعلى التقديرين: لا تُعارِض أحاديثَ المنع، ولا يمكن دعوى نسخها بها، والله أعلم.