للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مستحبة لِيفعَلَها لم تَصِرْ واجبةً عليه وتجزئه الكفارة، ولو نَذَرها وجبت عليه ولم تجزئه الكفارة، فدلّ على أن الالتزام بالنذر آكدُ من الالتزام باليمين، فكيف يقال: إذا التزم معصيةً بيمينه وجبت عليه الكفارة، وإذا التزمها بنذره الذي هو أقوى من اليمين فلا كفارة فيها؟! فلو لم يكن في المسألة إلا هذا وحدَه لكان كافيًا.

ومما يدل على أن النذر آكد من اليمين: أن الناذر إذا قال: لله عليّ أن أفعل كذا، فقد عَقَد نذرَه بحُرمةِ إيمانِه (١) بالله والتزامِه تعظيمَه، كما عقدها الحالف بالله كذلك، فهما من هذه الوجوه سواء، والمعنى الذي يقصده الحالف ويقوم بقلبه هو بعينه مقصود للناذر قائم بقلبه، ويزيد النذر عليه أنه التزمه لله، فهو ملتزم من وجهين: له وبه، والحالف إنما التزم ما حلف عليه به خاصةً، فالمعنى الذي في اليمين داخل في حقيقة النذر، فقد تضمن النذرُ اليمينَ وزيادةً، فإذا وجبت الكفارة في يمين المعصية فهي أولى بأن تجب في نذرها.

ولأجل هذه القوة والتأكيد قال بعض الموجبين للكفارة فيه: إنه إذا نذر المعصية لم يَبَرَّ (٢) بفعلها، بل تجب عليه الكفارة عينًا ولو فعلها؛ لقوة النذر، بخلاف ما إذا حلف عليها، فإنه إنما تلزمه الكفارة إذا حنث، لأن اليمين أخف من النذر. وهذا أحد الوجهين لأصحاب أحمد (٣)، وتوجيهه ظاهر


(١) ط. الفقي: «بجزمه أيمانه»، وفي ط. المعارف: «بجزمه إيمانه»، ولعل الصواب ما أثبت.
(٢) في الطبعتين: «يبرأ» خلافًا للأصل.
(٣) انظر: «المغني» (١٣/ ٦٢٦).